لجم الهدر في التمويل بسياسة الانضباط الصارم

28/11/2017 0
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

اعلن وزير المالية عن ارقام الميزانية للربع الثالث والتي جاءت بنفس الأداء الذي التزمت الحكومة تطبيقه منذ بداية السنة، انفاق منضبط بدرجة كبيرة حتى ان الانفاق اصبح اقل مما هو معتمد في الميزانية حتى نهاية الربع الثالث، بينما الايرادات على العكس جاءت اقل مما هو متوقع حيث حققت الدولة إيرادات بحدود 450 مليار بينما التوقع ان تحقق 519 مليار (طبعا هذه الأرقام بعد اخذ المعدل وهو عرضة للتغير بحسب بيانات الربع الرابع) مما يعنى ان الإيرادات قد تصل الي حدود 600 مليار او تزود عنها قليلا اذا استمرت أسعار النفط في مستوياتها الحالية، هذا يعني في نهاية الامر ان الدولة اكثر استجابة في التحكم في الانفاق عطفا على الإيرادات، بمعنى اخر، يتم تعديل الانفاق ولو بشكل احترازي على حسب ارقام الإيرادات، وهذا يفسر التحفظ على الوصول الي الأرقام المقدرة للإنفاق في الميزانية حيث لو استمرت الحكومة في نفس وتيرة الانفاق سوف تنهي سنة 2017 بإنفاق لا يتعدى 765 مليار ريال، وهو اقل من المقدر 890 مليار ريال بحدود 125 مليار ريال بنسبة -14%، وفي نظري هذا ما سوف يحصل بنهاية السنة ولو حصل فرق فلن يكون كبيرا وذلك بسبب المنهجية المنضبطة في الصرف والانفاق.

في الماضي كان يحدث عكس ذلك تماما، من عام 2005 حتى عام 2015، في كل سنة يتجاوز الانفاق الفعلي الانفاق المقدر في الميزانية مما يعكس عدم الانضباط بالصرف والانفاق وهذا الهدر في الانفاق كلف خزينة الدولة مئات المليارات، حسب الأرقام الرسمية والمعلنة بلغ حجم التجاوز في الانفاق الفعلي عن الانفاق المقدر خلال الفترة ما بين عام 2005 وحتى عام 2015 ترليون وخمسمائة مليار ريال!

هذا الهدر الضخم في المصروفات كلف الدولة الكثير، حيث ان التجاوز في المصروفات عن المقدر في الميزانية يدل على فشل الضبط في الانفاق وهذا الفشل قد يكون له أكثر من معنى وسبب، قد يكون عدم انضباط المسؤولين او عشوائية او فساد، وأيا كان السبب فهو مؤشر غير جيد حول الأداء ولا يعطى الثقة في الأرقام، حتى انه في سنة 2011 بلغ التجاوز في الانفاق عن المقدر 43% وهو هامش ضخم لا يمكن تبريره بسهولة، وبشكل عام كان متوسط نسبة التجاوز بحدود 24% وهو معدل مرتفع حسب المتعارف عليه عالميا، وهو مرة أخرى ان دل على شيء انما يدل على ضعف الانضباط وفقد المصداقية في الأرقام التقديرية للميزانية.

حسب ارقام الميزانية حتى هذا الربع مازال الانفاق على الرواتب والأجور هو الأعلى من بين كل البنود، حيث بلغ 303 مليار ريال او ما يعادل 53% من اجمالي الانفاق، ومتوقع ان يصل في نهاية السنة الي 405 مليار، وهو رقم كبير وخصوصا اذا ما تمت مقارنته مع ارقام ميزانية 2004 حيث كانت الميزانية بالكامل 285، وهو ما يعني ان بند الأجور فقط اعلى من كامل ميزانية عام 2004، ان اقرب ميزانية لأرقام بند الأجور كانت ميزانية 2006 و 2007، وهذا يعكس الارتفاع الكبير في حجم فاتورة الأجور خلال السنوات الماضية بشكل اصبح مكلف وبشكل كبير على الميزانية، وهنا تأتي أهمية الخصخصة وتقليل المصاريف التشغيلية على الدولة.

اما وبالنسبة لواحد من اهم بنود الميزانية وهو الانفاق الرأسمالي فما زال اقل من المعدلات المحققة في السنوات الماضية حيث لم يتجاوز حتى الان 17%، بينما كان المتوسط بحدود 30%، لذلك يعتبر منخفض بشكل كبير خصوصا إذا اخذنا في الاعتبار نمو الاقتصاد خلال السنوات الماضية فهذا يعطى اثر مضاعف لهذا الانخفاض.

من المتوقع في عام 2018 سوف تشهد الميزانية مزيدا من التوسع والانفاق، وحسب تصوري سوف يكون لصالح الانفاق الرأسمالي، فاذا حققت الميزانية لعام 2017 انفاق ما بين 765 مليار الي 790 مليار فان السنة القادمة سوف يكون الانفاق اعلى وقد يتجاوز 15%، مما يعني انفاق ما بين 880 الي 910 مليار مع التزام بإنفاق هذه الأرقام على عكس 2017 والتي تم التحفظ على الوصول الي الأرقام المقدرة في بداية السنة، وهذا يعني في النهاية ارتفاع الانفاق الرأسمالي بسبب تجمد او ضعف الارتفاع في بند الانفاق على الرواتب والاجور، فعليه سوف يكون اغلب الارتفاع في الميزانية يصب في مصلحة الانفاق الرأسمالي والذي قد يكون ما بين 244 الي 274 مليار ريال، بحدود 30% من الميزانية، والذي سوف يكون اعلى بكثير من الانفاق في 2017 والذي من المتوقع الا يتجاوز 130 مليار ريال.

ختاما، أتوقع ان يكون عام 2018 أفضل بكثير مما توقعته شخصيا في اول بداية برامج الرؤية وبرنامج التوازن المالي، حيث التصريح بعودة السياسة المالية التوسعية عبر إنفاق الميزانية لعام 2018، والترقب لبدء إنفاق صندوق الاستثمارات العامة على عدة مشاريع ضخمة منتظرة في عدة مناطق من المملكة والتي من المتوقع ان تنعش الطلب وتساهم في زيادة الناتج المحلى بشكل تدريجي، هذا كله سوف يعكس وبشكل تدريجي الاتجاه التشاؤمي السائد اليوم في القطاع الخاص ويعزز الاستثمار في العام القادم بإذن الله.