لن يهنأ لوكالة الطاقة الدولية بال حتى تهوي بالأسعار!

20/11/2017 2
د. فيصل الفايق

عند الإغلاق الأسبوعي هبط خام برنت إلى 62.72 دولارا، وهبط خام نايمكس إلى 56.55 دولارا، وتقلص الفارق بين الخامين القياسيين إلى 6.17 دولارات.

هبوط أسعار النفط جاء بعد تأثير توقعات وكالة الطاقة الدولية على أسواق النفط، بعد ان روجت لنظريات تدعم زيادة الإمدادات وتخفيض نمو الطلب العالمي على النفط، مما سيقوض مساعي أوپيك لتوازن الأسواق، بعد الإيحاء بتأخر عودة التوازن لأسواق النفط العام القادم شريطة استمرار خفض إنتاج أوپيك وخارجها!

توقعات وكالة الطاقة الدولية هذا العام جاءت متناقضة مع الأعوام السابقة، من جهة تباطؤ الطلب مستقبلا مع زيادة برامج الكفاءة في مجال الطاقة وتحول قطاع النقل إلى تقليل الاعتماد على الوقود التقليدي، مما يخفض نسبيا استهلاك النفط لوقود المواصلات، لكن الوكالة تجاهلت نمو الطلب المضطرد القادم من النقل التجاري.

أما من جهة نمو إمدادات خارج أوپيك والنفط الصخري الأميركي الذي يشكل من وجهة نظر الوكالة الخطر الأكبر على توازن السوق، فإنها تجاهلت النقص الشديد في استثمارات المنبع في الثلاث سنوات السابقة والتي سوف تؤثر على الإمدادات.

توقعات وكالة الطاقة الدولية (World Energy Outlook 2017)، والتي أصدرت في خضم تعافي الأسواق واستقرار الأسعار فوق الستين دولارا، استخدمت سيناريوهات تستند إلى سياسات تتعلق بالطاقة والمناخ، وتشمل التوقعات سيناريوهات تتوخى اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انبعاثات الكربون بما يتفق مع اتفاق باريس لتغير المناخ وأهداف الأمم المتحدة!

الوكالة روجت كثيرا الى تحول العالم السريع إلى السيارات الكهربائية، حيث يوجد حاليا 2 مليون سيارة كهربائية، توقعت الوكالة ان تصل الى 50 مليونا في عام 2025، ونحو 300 مليون في عام 2040! ترويج الوكالة لثورة قادمة وطفرة في صناعة السيارات الكهربائية يخلق شكوكا في غير محلها لنمو الطلب على النفط، وبالتالي يؤثر سلبا على توقعات الطلب وتحركات الأسعار... في حين تحتاج صناعة النفط الى تدفقات رأسمالية كبيرة لاستثمارات المنبع ولتلبية النمو القوي القادم على طلب النفط! ولا يوجد تهديد لصناعة النفط على مدى عقود قادمة من هذه الثورة المصاحبة بزخم إعلامي كبير لدعم الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية، والتي هي بحاجة إلى ضخ سيولة كبيرة حتى تتمكن من الاستمرار في ظل انعدام المنافسة مع السيارات التقليدية!

يمثل قطاع الموصلات (النقل) نحو %25 من مزيج الطاقة الكلي في العالم، في عام 2040 تشير التوقعات الى أنه سيكون هناك 1.8 مليار مركبة وشاحنة، بينما يوجد حاليا مليار واحد تمثل نسبة السيارات الكهربائية منها %1 فقط! حتى إن تحققت بعض التحديات التي يروج لها صانعو السيارات الكهربائية، إلا أن تأثيرها يتجسد فقط على المستوى العاطفي عن طريق بث الشكوك في نمو الطلب على النفط وسط تباطؤ استثمارات المنبع، والتي عانت كثيرا من نقص تريليون دولار تقريبا من الاستثمارات نتيجة لانخفاض أسعار النفط منذ منتصف عام 2014! ونتيجة لذلك، ستخضع إمدادات النفط العالمية لنقص شديد في الإمدادات بعد عام 2020، ولكن الدعاية المكثفة والترويج لثورة السيارات الكهربائية لها عدة أهداف:

٭ تقديم الدعم المادي وضخ السيولة لمصانع السيارات الكهربائية والتي تحتاج الى سيولة مستمرة للبدء في المنافسة مع السيارات التقليدية، وتجاهلت الوكالة أن السيارات التقليدية اصبحت أكثر كفاءة في استهلاك الوقود.

٭ الإيعاز لمحاولة تصديق أكذوبة أن العالم يشهد حاليا طفرة في صناعة السيارات الكهربائية، مما سوف يدعم نشوب أزمة قادمة في أسواق النفط! والتشكيك في النمو القوي القادم للطلب على النفط، وبالتالي التأثير على أسعار النفط هبوطا!

٭ تركيز توجه المستهلكين على ثورة السيارات الكهربائية، على الرغم من أن الغاز سوف يحل تدريجيا محل الطاقة النووية والفحم، وهذا يعني أن نمو الطلب على النفط في النقل سوف يستحوذ على نسبة عالية على مدى العقود القادمة!

٭ بث حالة من عدم اليقين بشأن الطلب العالمي على النفط على المدى الطويل في وقت تحتاج فيه صناعة النفط إلى تدفقات رأس ماليه لاستثمارات مشاريع المنبع لضمان تلبية الطلب المستمر على النفط، والهدف من ذلك تحويل رؤوس الأموال من مشاريع النفط إلى مصانع السيارت الكهربائية!

وكالة الطاقة الدولية منظمة دولية تعمل في مجال البحث والتطوير، وتسويق تقنية الطاقة واستخداماتها، تشكلت من الدول الصناعية المستهلكة في عام 1973. ولعل الوقت قد حان لنتساءل عن النموذج الحسابي: «نموذج الطاقة العالمي» لوكالة الطاقة الدولية World Energy Model (WEM) والذي بدأ استخدامه منذ عدة عقود! هل ما زال هذا النموذج يعمل بفاعلية؟ هل هناك أخطاء مقصودة أو غير مقصودة؟! هل هناك تعديل يدوي لحسابات هذا النموذج؟! هل هناك تعمد لإرباك الاسواق، في وقت أحوج ما تكون فيه الأسواق إلى الاستقرار.

وبعد كل هذا التناقض، والترويج إلى تخمة المعروض في الأسواق العالمية وانخفاض الطلب لمصلحة منظري دول الاستهلاك، هل من المعقول أن تبني الدول سياساتها النفطية على توقعات وكالة الطاقة الدولية، والتي تحاول بناء فرضيات أجنداتها على ميزان الطاقة العالمي واللاعبين الرئيسيين حتى عام 2040؟

نقلا عن الانباء الكويتية