الفساد في بعض شركاتنا المساهمة

10/11/2017 6
عبدالله الجعيثن

أموال المساهمين في بعض الشركات تُشبه أموال اليتامى في أيدي أولياء السوء، يعبثون بها ويعيثون فيها فساداً، فهناك عدة شركات مساهمة لم توزّع أي أرباح في تاريخها، وأخرى توزع الفتات، مع أن رؤوس أموالها مئات الملايين، وإذا اجتمعت فهي مليارات، وقد تفرقت أسهمهما بين عدد كبير من المساهين الذين يتكاسل الكثير منهم عن حضور الجمعيات والمطالبة بالإصلاح والمناقشة حول شُبَه الفساد، فالمساهم الصغير يشعر أنه لن يفعل شيئاً إن حضر، ولن يُفقد إذا غاب، إذا غلبه اليأس وضربه الإحباط باعها بخسارة وظن أنه استراح! بعض هؤلاء يتامى وما هم بيتامى، وهم كبار في السن طوال عراض ولكنهم لا يستطيعون - هكذا يخيل لهم- أن يحاسبوا إدارة الشركة ويطالبوا بحقوقهم المشروعة، فكل شركاتنا قامت على دراسة جدوى تثبت أنها سوف تربح بشرط أن تكون الإدارة نزيهة، ولكن.. تمضي السنوات وكثير من شركاتنا بلا أرباح! بل بعضها تتوالى عليها الخسائر! وتطالب المساهمين بالمزيد من المال (خفض ورفع!) وقد يتكرر! وكأن بعض المساهمين العاجزين عن المطالبة بالحقوق ومحاسبة مديري الشركات وذلك الرجل الطويل (المستصح) الذي حين سمع أن زياد بن أبيه فرض إعانات للأيتام والعميان، دخل عليه ومعه ابنه وقال: اكتب ابني في الأيتام!

فقال زياد: وكيف أكتبه وأنت أبوه؟! فقال: واكتبني في العميان! مع أن بصره حاد! فقال زياد: حريٌّ بمن كان هذا أبوه أن يكون يتيماً! وحريٌّ لمن يطالب بهذا أن يكون أعمى، فإن الله عز وجل يقول :(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.) 46، سورة الحج.

ثم أوجعه زياد ضرباً وطرده شر طرده.

قلت: وبعض مديري شركاتنا المساهمة الخاسرة على طول، أو التي لا تربح إلا الفتات، ناهيك عن الشركات التي تلجأ لخفض رأس المال ومطالبة المساهمين المساكين بضخ أموال جديدة لا ندري أين تذهب، بعض هؤلاء المديرين إما أنهم فاسدون يجيرون كثيراً من أموال الشركة لمصالحهم الخاصة، ويستغلون نشاطها وينافسونها بشركات أخرى لهم بأسماء زوجاتهم أو من يثقون فيه أو أنهم أبعد ما يكون عن حسن الإدارة وإنما تولوا الإدارة بجمع عدد كبير من أسهمها وبعد الترشيح يبيعون.

صارت بعض شركاتنا المساهمة مطلباً لبعض معدومي الذمة أو الخبرة يُمَوِّهون على الناس، ويتظاهرون بالمعرفة والصلاح، وعيونهم على أموال الشركة ليلهفوا منها ما يسيتطيعون، وكأن الواحد من هؤلاء يطبق وصية الشاعر مساور الوراق الذي قال لابنه — فهو يوصيه أن يتظاهر بالتقوى أملاً في خداع أحد القضاة ليجعله ولياً على مال اليتيم، فيلعب في مال اليتيم (لعب القطط في السطوح):

شمِّر ثيابك واستعد لقائلٍ واحكِك جبينك للقضاء بثومِ

وامشِ الدبيب إذا مشيتَ لحاجةٍ حتى تصيب وديعة ليتيمِ

ولكن القضاة لا ينخدعون بالحيل، ولا يحكمون بالمظاهر، بعكس بعض المساهمين الذين قد يُصوِّتون (لذئاب عليها ثياب) مخدوعين بهم، فلا يسلمون منهم بل يواجهون الخسائر المتوالية.

إنّ العاصفة المباركة التي هبَّت على الفاسدين نأمل أن تمر على إدارات الشركات المساهمة التي لم تربح على طول السنين، وتفتح ملفاتها، وتراجع حساباتها، وتقدم الفاسدين من مديريها إلى القضاء، وبهذا تتحسن بيئة الاستثمار، ونرتاح من أكلة الناس بالباطل، ويعود الحق لأهله، مع التركيز على دور المساهمين في المطالبة بحقوقهم، والرقابة الدقيقة على شركاتهم، فالمال السائب يعلّم السرقة.


تقلا عن الرياض