الهندسة المالية: نظرة مبسطة

30/10/2017 4
د. عبد الكريم قندوز

يبدو مصطلح (الهندسة المالية) من المصطلحات المعقدة حتى لبعض المتخصصين في المجال المالي، وكثيرا ما ينظر إليها على أنها عمليات معقدة وغير مفهومة أحيانا ذات علاقة بالأسواق المالية. الحقيقة أن الهندسة المالية فعلا كذلك، سواء كمصطلح أو كتخصص في المجال المالي.

وسأحاول فيما هو آت من فقرات تقريب معناها قدر المستطاع لغير أهل التخصص.

دعونا أولا نفهم معنى الهندسة، ولن ندخل في التعريفات العلمية والتقنية، بل سنستخدم المعارف الشائعة لدى عموم الناس، فجميعنا يتردد على لسانه أو على سمعه كلمة (هندسة)، سواء في الدراسة أو مرتبطة بالبناء –وهو الغالب-، كالهندسة المدنية والهندسة المعمارية...

والشائع لدى الناس أن الهندسة هي علم أو فن يُعنى بتصميم وتشييد المباني، فنجد المهندس المعماري يضع رسم المبنى وتصميمه شاملا كل التفاصيل التي يرغبها الزبون (صاحب السكن) من غرف ومرافق، وما يتبعها من خصوصية كفصل المجلس وغرفة النوم وغيره من تفاصيل، فضلا عن الجانب الجمالي للمبنى.

ثم يأتي دور المهندس المدني بعد موافقة الزبون، حيث يضع ما قام به المهندس المعماري على أرض الواقع، بدءً من تجهيز المكان إلى المواد اللازمة (الطابوق، الحديد، الاسمنت، الرمل...) أخذا بعين الاعتبار تقليل التكاليف دون التفريط في جوانب السلامة.

الحقيقة أن الهندسة المالية لا تختلف عما سبق، فهي تنظر إلى الأدوات المالية التقليدية الموجودة في السوق (مثلا: القروض، الأسهم، السندات) على أنها أدوات بناء (قوالب بناء)، ثم تبحث ما الذي يريده العميل وما هي التفاصيل التي يرغب بها (مثلا يرغب في تمويل ذو تكلفة منخفضة أو استثمار مأمون لأمواله) فتقوم باستخدام تلك الأدوات لبناء منتج مالي جديد (مثل المبنى الذي ذكرنا سابقا)، ويتم تقديمه للعميل. 

في خطوة أولى يتم تقديم مقترح المنتج للعميل ليقرر، وهذه أشبه ما تكون بوظيفة المهندس المعماري، وفي حال قبول العميل، يتم تنفيذ المنتج فعليا وتبدأ وظيفة المهندس المدني، وطبعا كلاهما مهندس في مجال المال.

والمنتج المالي الجديد (عادة منتج مبتكر) أشبه ما يكون بالبناء، فالمباني تحوي أحجار البناء والاسمنت والحديد وغيره، وكذلك المنتج المالي، فهو يتكون من عناصر كثيرة، منها: أجل الاستحقاق، درجة السيولة، المخاطر (ائتمانية وسوقية)، العائد...

وتحاول الهندسة المالية أن تراعي رغبة العميل قدر المستطاع من حيث تشكيلة العناصر السابقة، فهناك من يبحث عن العائد وهناك من يبحث عن السيولة، وهناك من يتجنب الخطر بغض النظر عن درجة السيولة والعائد، وهناك من يريد تشكيلة من العناصر السابقة كلها...وهكذا.

وواضح أن تلبية تلك الرغبات تحتاج قوة ابتكارية رهيبة، وهي تتحقق بفضل تنوع الأدوات المالية الأصلية، على أن هناك بعض العناصر قد يصعب فصلها بشكل مجرد، فكما أن الراغب في سكن لا يمكنه أن يشترط على المهندس المدني أن يكون سكنه بالاسمنت وحده دون الحديد، فكذلك المنتج المالي، قد يصعب أو يستحيل فصل العائد عن الخطر أو السيولة عن الاستحقاق.

وسنتحدث في مقالة تالية-إن شاء الله-كيف أنه أمكن فصل بعض الخصائص المترابطة في بعض الابتكارات المالية وماذا كانت آثار ذلك الفصل.

خاص_الفابيتا