ما الفائدة العائدة من الاستثمار الأجنبي في السعودية؟

30/10/2017 2
د. عبدالله الردادي

أقيمت خلال الأسبوع الماضي في العاصمة السعودية الرياض فعاليات مبادرة «مستقبل الاستثمار في المملكة العربية السعودية»، بحضور أكثر من 3500 ضيف من خارج المملكة، وبرعاية من الملك سلمان، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد. اشترك في ورشات العمل كثير من الاقتصاديين حول العالم، إضافة إلى كبار أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين الذين يتطلعون إلى استكشاف الفرص الاستثمارية في المملكة. وشكلت مبادرة «مستقبل الاستثمار» انطلاقة «الرؤية» على المستوى الخارجي، بعدما قامت المملكة خلال السنتين الماضيتين بتوضيح «الرؤية» المستقبلية على المستوى الداخلي، وكأنما استشعرت الحكومة السعودية أنه حان الوقت لإعلان مشروعات «الرؤية» السعودية للمستثمرين حول العالم، ودعوتهم إلى الوقوف بأنفسهم على الفرص الاستثمارية في السعودية.

تشكل المشروعات الاستثمارية الأجنبية في المملكة حجر زاوية في مشروعات «الرؤية»، وذلك لأسباب عدة؛ منها ما يُعرف بـ«تنويع مصادر الدخل». قد يرى البعض أن المملكة تعني بذلك البحث عن دخل إضافي خارج الإطار النفطي بهدف إيجاد مصدر لسد العجز في الميزانية الذي سببه انخفاض أسعار النفط خلال السنتين الماضيتين... والواقع أن الاستفادة من الاستثمار الأجنبي في تنويع مصادر الدخل تتعدى هذه النقطة إلى ما هو أهم. فاعتماد الاقتصاد السعودي بشكل أساسي على النفط لا يعني أن ميزانية الدولة وحدها سوف تتضرر من انخفاض أسعار النفط، بل يعني أن أجزاء أخرى من الاقتصاد سوف تتضرر أيضاً، وهذا يتضمن غالبية الاستثمارات القائمة على الاقتصاد المحلي والمعتمد بشكل أساسي على أسعار النفط.

هذه الأضرار ستلقي بآثارها على معدل الدخل والإنفاق للفرد، وعلى مستويات البطالة بشكل مباشر. ودخول الاستثمار الأجنبي يعني وجود استثمارات يَضعف تأثير أسعار النفط عليها، وهو ما يراد بمصطلح «تنويع مصادر الدخل»، وهو إيجاد أركان إضافية للاقتصاد السعودي تساعد في ضمان استقراره حتى في حال تذبذب أسعار النفط.

ومن أهم أسباب تشجيع دخول الاستثمار الأجنبي، خلق الفرص الوظيفية للشباب السعودي الذي يشكل أغلبية المواطنين. بشكل عام؛ فإن الدول تحرص على أن تعمل النسبة الكبرى من القوى العاملة في القطاع الخاص، وذلك لتخفيف العبء عن ميزانية الدولة. على المستوى السعودي، يتوقع دخول أكثر من 5 ملايين شاب إلى سوق العمل خلال العقد المقبل. ومع اكتظاظ الوظائف الحكومية، ومعدل النمو الحالي للقطاع الخاص المحلي، فإن سوق العمل الحالية لن تستوعب هذا العدد، وهو ما يزيد ضرورة دخول استثمارات أجنبية وبشكل مكثف لإيجاد توازن في فرص العمل. إضافة إلى ذلك، فإن وجود استثمارات أجنبية في المملكة يزيد من أهميتها الاستراتيجية والسياسية لدى الدول، فوجود مصلحة اقتصادية بين الدول يشكل أهمية عالية على المستوى السياسي.

ويحجم كثير من المستثمرين الأجانب عن الدخول إلى السوق السعودية لأسباب عدة؛ منها ما يوصف به بعض الدوائر الحكومية في المملكة من البيروقراطية وبطء الإجراءات، الذي يتنافى بشكل مطلق مع الديناميكية التجارية، وإن كانت بعض رؤوس الأموال السعودية تصطبر على هذه البيروقراطية، فإن نظيرتها الأجنبية لن تتحمل هذه البيروقراطية وستبحث عن بدائل لها. إضافة إلى ذلك، فإن عدم وضوح بعض الأنظمة والقوانين في المملكة يقلل من جاذبية الدخول إلى السوق السعودية. ولذلك، فإن الخطوة الأولى لجذب الاستثمار الأجنبي هي تعزيز بيئة العمل القانونية التي تحمي حقوق المستثمرين بشكل واضح، ولعل إنشاء المحاكم التجارية في المملكة أول هذه الخطوات. في الوقت الراهن، الاستثمارات الأجنبية موجودة في المملكة، ولكن على استحياء، وقد بلغت الاستثمارات الأجنبية في المملكة في عام 2016 ما يقارب 7.5 مليار دولار، وهو رقم لا يتوافق مع ما تطمح له المملكة بمشروع «الرؤية». وبين الحين والآخر تصدر المملكة حزمة قرارات تسهل دخول المستثمر الأجنبي إلى المملكة، كان آخرها السماح للمستثمر الأجنبي بالدخول بشكل كامل في سوق الأسهم الموازية.

عودة إلى مبادرة «مستقبل الاستثمار»... فإن تصدر ولي العهد السعودي، وهو رأس الهرم الاقتصادي في المملكة، هذا المؤتمر، يوجه رسالة مهمة إلى المستثمرين حول العالم، بأن الحكومة السعودية ستقف على احتياجات ومشكلات المستثمرين الأجانب في المملكة، وأن حل هذه المشكلات خطوة أساسية ضمن مستقبل السعودية، فالمملكة أرض استثمارية لم تكتشف بعد، وتكثر فيها الفرص الاستثمارية غير المستغلة، وهي فرص لمشروعات موجودة على مستوى العالم ولم تستغل بعد في المملكة. أما المستثمرون الباحثون عن فرص استثمارية مبتكرة، فقد يجدون ضالتهم في مشروع مدينة «نيوم» الطموح، والذي يشكل نوعية جديدة وحالمة من الاستثمارات.

نقلا عن الشرق الأوسط