كيف نفهم التحولات الراهنة للاقتصاد؟

24/10/2017 3
عبد الحميد العمري

يعلو كثير من التساؤلات الحائرة لدى كل الأطراف، حول الآثار المحتملة للتحولات الجارية خلال المرحلة الراهنة في هيكلة الاقتصاد الوطني، وهي تحولات كثيرة جدا، عدا أنها تضرب في عمق أغلب إن لم يكن كل متغيرات الاقتصاد والمجتمع على حد سواء. يشترك في تلك التساؤلات العديدة الفرد العامل والتاجر ورجل الأعمال والباحث عن عمل والمتقاعد وكل الأطياف الاجتماعية على اختلاف مواقعها، كل يحاول فهم واستيعاب ما يجري أمامه من متغيرات وتحولات متسارعة، وفقا للأرض التي يقف عليها!

يجب الاعتراف بداية؛ بأن لا أحد يمتلك إجابة شافية ومحددة حول تفاصيل ومعالم طريق التحول الراهن، وأن الأمر لا يتجاوز محاولة الاقتراب قدر الإمكان من تلك الآثار المحتملة، بالاعتماد على البيانات والمؤشرات الموثوقة المتوافرة حاليا، ومن ثم الخروج بتصورات عما ستؤول إليه تطورات الإصلاحات الجارية خلال المرحلة الراهنة، وهو أيضا السبب الذي يقف خلف المراجعة والمتابعة المستمرتين للبرامج التنفيذية لإتمام خطط التحول الاقتصادي، التي تشهد تغييرا وتحسينا من فترة زمنية إلى أخرى، وفقا لما تظهره مؤشرات الأداء ونتائجها على مستوى القطاعات والأنشطة كافة، التي يجري تنفيذها والتقدم بها وفق منظومة عمل متكاملة.

لماذا كل هذا؟ أثبتت الوقائع والتحديات الراهنة، استحالة استدامة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المنشود، بالاعتماد فقط على مداخيل مورد ناضب كالنفط، وأن احتياجات وتطلعات الاقتصاد والمجتمع الراهنة ومستقبلا، أصبحت تفوق كثيرا ما يغدقه النفط من دخل على الاقتصاد، هذا أولا. ثانيا: إن الأوضاع العتيقة السابقة للاقتصاد طوال خمسة عقود مضت، كما أنها أنتجت إيجابيات عديدة تنمويا واقتصاديا واجتماعيا، إلا أنها أيضا أفرزت تشوهات بالغة الخطورة، أظهرت مؤشرات الاقتصاد عبر العقود الخمسة الماضية، تضاؤل الإيجابيات مقابل تصاعد التشوهات عقدا بعد عقد، الذي اقتضى بدوره ضرورة قصوى لإجراء تغييرات وإصلاحات جذرية هيكلية للاقتصاد، تستهدف وضعه على طريق آخر أكثر أمانا واستقرارا، ستتصاعد نتائجه الإيجابية على الاقتصاد والمجتمع عاما بعد عام، وصولا إلى نهاية مرحلة التحولات بعد عقد من الزمن من تاريخ اليوم. إنه طريق بالغ الأهمية للتحول والإصلاح وإن حمل ذلك في بدايته بعض المشاق على الجميع، إلا أنه سيكون أخف وطأة بدرجات كثيرة من وطأة النتائج المريرة لنهاية الطريق القديم، المعتمد بدرجة كبيرة جدا على دخل النفط فقط!

لم يعد غائبا على أحد منا ما يواجهه اقتصادنا ومجتمعنا من تشوهات تنموية راهنة، تحولت إلى تحديات جسيمة تعوق تقدم التنمية الشاملة لدينا، بدءا من ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم أزمة الإسكان، وتعثر تنفيذ المشروعات التنموية، وتلوث كثير من الأعمال برزايا الفساد المالي والإداري وأشكال الاحتكار والتلاعب بالأسعار والتستر والغش التجاريين، وتأخرنا في تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وغيرها من التشوهات المعوقة لأي اقتصاد ومجتمع. التي يجدر الإشارة هنا؛ إلى الخطأ الفادح الذي وقع فيه عديد من الأفراد والمؤسسات، باعتقاد أن ارتفاع معدلات البطالة أخيرا، وتباطؤ النمو الاقتصادي وغيرها من المؤشرات العكسية، أنها نتجت عن التحولات الراهنة! بينما هي في الحقيقة ليست إلا نتيجة لتفاقم تشوهات إفراطنا في الاعتماد على النفط، وما ترتبت عليه تلك الأوضاع / التشوهات السابقة من تشكل راهن للقطاع الخاص، أفرط في الاعتماد على إنفاق وتحفيزات الحكومة من جانب، ومن جانب آخر الاعتماد المفرط على استقدام العمالة الوافدة، ما أنتج بدوره في الأغلب منشآت ذات أرضية هشة، لم تتجاوز مساهمتها في تنويع قاعدة الإنتاج سقف 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتوطين وظائفها بما لا يتجاوز 15 في المائة، وما ترتب عليه لاحقا من تفاقم أشكال الاحتكار والمضاربات في كثير من قطاعات الاقتصاد الوطني، كان أبرزها القطاع العقاري "الأراضي غير المستغلة تحديدا"، وما نتج عنه من ارتفاع هائل في تكلفة الإنتاج على بقية منشآت القطاع الخاص، إضافة إلى ارتفاع تكلفة المعيشة على أفراد المجتمع دون استثناء.

إننا في طريق التخلص من تلك التشوهات، وما نتج عنها من تحديات تنموية جسيمة جدا، وليس كما يظن كثيرون أنها نتائج للتحول الاقتصادي المنشود، والتأكيد هنا على أن أي تحولات هيكلية لأي اقتصاد سيصاحبها دون أدنى شك كثير من الآثار العكسية قصيرة ومتوسطة الأجل، سرعان ما ستبدأ في التحسن تدريجيا بعد تكيف الاقتصاد والمجتمع ومختلف مكوناتهما مع تلك الإصلاحات. إن ما يجري اليوم من تحولات هيكلية للاقتصاد الوطني، تشبه إلى حد كبير جدا جسدا أحاطت به الشحوم في جميع مناطقه، وأصبح يعاني كثيرا الوزن الزائد، ثم بدأ في التخلص من تلك الشحوم بممارسة الرياضة، ولا شك أنه سيعاني كثيرا في بداية الأمر، إلا أنه في نهاية الأمر سيجني جسدا رياضيا نشيطا، خاليا من الوزن الزائد.

ختاما؛ يؤمل أن يفي حساب المواطن بالهدف الرئيس من تأسيسه، لحماية الأفراد ذوي الدخل المتوسط فما دون من آثار إصلاح أسعار استهلاك الطاقة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وأن ينجح بمشيئة الله -تعالى- برنامج دعم القطاع الخاص، وتركيزه على القطاعات الإنتاجية الأهم بالنسبة للاقتصاد الوطني، والتفرقة بينها وبين المنشآت التي سيكون انحسارها إيجابيا على الاقتصاد والمجتمع، وأن تترجم جهود الإصلاح والتطوير الراهنة بتوفيق الله - عز وجل - بما يعزز النمو الاقتصادي واستدامته، على أساس متين من تنوع قاعدة الإنتاج المحلية، التي تخدم في إيجاد مزيد من الوظائف أمام المواطنين والمواطنات، وتسهم في تحسين مستويات دخلهم، ويتم القضاء على أشكال الاحتكار والمضاربة، واستبدالها بإيجاد بيئة أعمال تنافسية، تعزز بدورها من مستويات التنمية الشاملة والمستدامة. والله ولي التوفيق.

نقلا عن الاقتصادية