أعطني حرية أعطك نجاحاً اقتصادياً

11/10/2017 5
فهد عامر الأحمدي

الحرية الاقتصادية ثروة طبيعية لا يفكر فيها معظمنا .. أعظم ثروات هونغ كونغ وسنغافورة ونيوزيلندا ودبــي سمعتها كمناطق استثمار آمنة وحرة.. لا تملك نفطا ولا مناجم ذهب ولكنها تملك ثروة ناعمة تدعى "حرية اقتصادية" و"تسهيلات مالية" و"بيئة تنافسية" تشجع على الاستثمار واستقطاب الأموال وانشاء المشروعات.. هونغ كونغ تعاني (ليس من البطالة) بل من عزوف شعبها عن الوظائف الحكومية وعمل 88% منهم لحسابه الخاص بفضل انعدام العقبات والأنظمة البيروقراطية.. قلة الموظفين تعني في هذه الدول عدم استنزاف خزينة الدولة (في صرف رواتب القطاع العام) وملئها في المقابل بضرائب يقدمها القطاع الخاص...

وكانت مؤسسة هيرتج في واشنطن قــد دأبت على اصدار قائمة سنوية بأكثر الدول تمتعاً بالحرية الاقتصادية.. وفي هذا العام تضمنت القائمة 186 دولة واعتمدت على تقييم 12 عنصرا مؤثرا في عالم المال والاقتصاد (مثل سهولة التحويلات، وتوفر العمالة، وعدد الأيام والخطوات اللازمة لإنشاء أي مشروع).. في المركز الأول أتت هونغ كونغ مجددا تليها سنغافورة ثم نيوزلندا ثم سويسرا ثم أستونيا ثم كندا.. أما المركز الثامن فاحتلته الإمارات العربية ثم إيرلندا ثم تشيلي في المركز العاشر.. ورغم أن السعودية تقدمت مقارنة بالسنوات الماضية، مازالت في المركز 64 في حين أتت كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية في ذيل القائمة كأثر الدول تقييدا للاقتصاد وطردا للمستثمرين...

والحرية الاقتصادية بدون شك لا تأتي من فراغ .. فهي تتطلب أنظمة مشجعة، وثقافة منفتحة، وعقولا مرنة، وتشريعات محاسبية واضحة.. تتطلب التخفيف من الشروط والعقبات والأنظمة البيروقراطية ــ وفي المقابل ــ حماية الاستثمارات وتسهيل المبادرات وضمان حرية الممتلكات وتدفق الأموال.. يجب أن تتمتع الدول ذاتها باستقرار سياسي، وانفتاح ثقافي، وتسامح فكري يبعـث على الاطمئنان ويشجع المستثمرين على القدوم والبقاء لعقود طويلة .. الدول التي تعاني من اضطرابات سياسية أو صراعات أيدلوجية لا تبعث على الاطمئنان ولا تشجع بالتالي على استقطاب رؤوس الأموال...

أنا شخصيا أؤمن بأن "الحرية" عامل مهم في ازدهار وانتعاش أي مجال (سواء مالياً أو تجارياً أو ثقـافياً وفكرياً).. فـكلما تضخمت القيود وسيطرت النظرة الأحادية، كلما قُـتلت الأفكار وماتت المبادرات وخسر المجتمع مستقبلا لم يأت بعـد .. 99% من الأفكار والمبادرات تموت في رؤوس أصحابها أما بسبب العقوبات والبيروقراطية ــ وتخوفهم المسبق من العقوبات المحتملة.. ولأن رأس المال ذكي (وليس جباناً كما ندعي) ينساب دائما نحو المناطق التي تقدم أكبر قدر من الأمان وحرية الحركة.. ولأن الإبداع يتطلب كسر القيود، ظهرت أعظم الإنجازات خلال فترات (وبين أمم) فكر فيها الانسان بحرية وحلقت فيها الأفكار بلا هوية..

نخطئ حين نعتقد أن الموارد الطبيعية هي الثروات الحقيقية لأي مجتمع .. أعظم ثروة تملكها الدول المتقدمة هي بـناؤها (سمعة دولية) بأنها مـلاذ آمن للفكر والابداع .. كما للمال والاستثمار..

نقلا عن الرياض