النفط الايراني لا الصخري هو التحدي المقبل (2 - 2)

04/10/2017 4
م. ماجد عايد السويلم

تهافت الشركات النفطية العالمية خصوصًا الأوروبية على إيران يستهدف بالدرجة الأولى الغاز الطبيعي حيث تمتلك إيران ثاني احتياطي غازي عالمي بمقدار 1,183 تريليون قدم مكعبة بعد روسيا. حتى قبل إقرار اتفاقية المناخ في باريس، لوحظ أن الشركات النفطية الأوروبية كانت تتوسع في تنقيب واستخراج الغاز بشكل لافت والعديد منها باعت بعض أصولها النفطية ومنها من تخلى عن عقود امتياز كشركة شل الهولندية والتي، على سبيل المثال، انسحبت مؤخرًا من إدارة حقل المجنون في العراق والذي ينتج 350 ألف برميل يوميًا وآثرت التركيز على مشاريعها في قطاع الغاز والبتروكيماويات في العراق. 

عالميًا، سيصبح الغاز الطبيعي المصدر الثاني لإمدادات الطاقة قبل عام 2040م، بحسب توقعات شركة إكسون موبيل وغيرها، وذلك لعدة عوامل منها أن عقود الغاز الطبيعي دائمًا ما تكون على فترات زمنية طويلة وتذبذب أسعار الغاز يعد محدودًا بعكس النفط، كما أن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن حرق الغاز الطبيعي هي الأقل مقارنة بالفحم والنفط خصوصًا مع قيام بعض الدول بفرض ضرائب على انبعاثات الكربون والأهم هو حاجة أوروبا للغار الطبيعي.

هذا لا يعني أن النفط الخام ليس ذو أهمية للشركات النفطية فهو بحسب التوقعات السابقة سيصبح المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة. تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي نفطي عالمي يقدر بـ 157.2 بليون برميل والثالث بين دول أوبك الأعضاء بعد السعودية وفنزويلا. العديد من الحقول النفطية في إيران لم يتم تطويرها كما أن هنالك حقولًا كثيرة لم تستكشف بعد.

تقع أكبر الحقول النفطية في إيران في إقليم الأهواز العربي أهمها: حقل كجساران، وهو ثالث أكبر حقل نفطي في العالم باحتياطيات نفطية تقدر بـ 66 بليون برميل، وحقل الأهواز باحتياطي يقدر بـ 37 بليون برميل. هذه الحقول وغيرها من الحقول النفطية المنتجة ليست ضمن المناقصات المطروحة حيث ستعتمد إيران على شركات الخدمات النفطية لإعادة تأهيل المنشآت النفطية القائمة لكنها ستواجه الكثير من الصعوبات حيث أن قطاع الخدمات تهيمن عليه الشركات الأمريكية. الحقول النفطية التي لم يتم تطويرها بعد والتي تتطلب استثمارات مالية ضخمة وتقنيات متطورة هي التي طرحتها وزارة النفط الإيرانية كعقود امتياز وشراكات مع الشركات العالمية وهنا تبرز أحد ملامح التحدي.

ستواجه الصناعة النفطية العالمية والإقليمية بناء على المعطيات السابقة تحديان رئيسيان: الأول له علاقة بنوايا إيران لرفع الإنتاج والثاني يتعلق بتطوير الحقول النفطية الحدودية المشتركة.

1- رفع معدلات الإنتاج: في تقرير نشرته رويترز بتاريخ 22 مايو 2017م، أشار غلام رضا مانوشهري، نائب رئيس شركة النفط الحكومية الإيرانية إلى سعي الحكومة لرفع الإنتاج بمقدار 3 ملايين برميل يوميًا مقارنة بالمعدلات الحالية من دون أن يوضح الفترة الزمنية المستهدفة للوصول إلى هذا السقف الافتراضي. الكم الهائل من المناقصات وعقود الامتياز التي تطرقت إليها سابقًا يؤكد سعي إيران للوصول إلى معدلات ما قبل الثورة في نطاق الـ 6 ملايين برميل يوميًا كما أن إيران حاليًا لا تخضع لنظام المحاصصة (Quota System) وقد أعلنت عن عزمها الوصول إلى معدلات ما قبل الحظر الدولي قبل إجماع أوبك على خفض الانتاج في نهاية 2016.  

2- تطوير الحقول النفطية المشتركة مع دول الخليج العربي: في مقال نشرته مجلة التنقيب والاستكشاف (E&P Magazine) بتاريخ 5 يوليو 2017م، أشار الكاتب عبد الغني هني إلى أن عدد الحقول النفطية والغازية المشتركة بين الدول المطلة على الخليج العربي بما فيها العراق مع إيران هو 28 حقلًا. تشير التقديرات، كما ورد في المقال، إلى أن نسبة ما تملكه إيران في هذه الحقول هي 30٪ من احتياطي الغاز الطبيعي و20٪ من احتياطي النفط الخام. 

معظم الحقول المشتركة هي بحرية وأشهرها وأكثرها إثارة للجدل هو حقل جنوب فارس المشترك مع حقل الشمال القطري، والذي تطرقت إليه في الجزء الأول من هذا المقال. أما عن الحقول المشتركة مع المملكة فمنها ما هو قيد الإنتاج كحقل المرجان وبعضها لم يُطَوّر بعد.

جميع الحقول البرية المشتركة مع إيران طرفها الآخر هو العراق وعدد المنتجة منها هو 5 حقول. مؤخرًا، قامت الحكومة العراقية بتوقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة الإيرانية وتأسيس لجنة مشتركة للوصول إلى تسوية فيما يخص الحقول المشتركة ووقف التجاوزات الحدودية.

الخلاصة: تحدي الصناعة النفطية هو في الحقيقة ليس من خارج أوبك أي "الصخري" كما يروج له الاعلام بل من داخلها وبالتحديد إيران وسعيها لرفع الإنتاج لمعدلات ما قبل الثورة أي في نطاق الـ 6 ملايين برميل يوميًا. إن كانت الزيادة المستهدفة في إنتاج النفط الايراني سريعة ومفاجئة فإننا سنشهد فترات طويلة من انخفاض لأسعار النفط مع تصدع في موقف أوبك. أما ان كانت متدرجة، وهذا هو السيناريو الأفضل للدول الأعضاء في أوبك، فإن هذا يتناغم مع الطلب العالمي المتزايد سنويًا. 

ما سيعزز الوصول لهذه المعدلات هو التحالف مع الشركات النفطية العالمية من منطلق المصالح الاقتصادية المشتركة "مع أفضلية نسبية للإيرانيين" حيث تهدف إيران عبر هذا التحالف إلى تحقيق عدة أهداف أهمها: الالتفاف على العقوبات الأمريكية وجلب الاستثمارات الضخمة والحصول على تقنيات متقدمة وتطبيقاتها (Know-how) وربما استنساخها كما حصل مع تقنية الحفر العميق التي تطرقت إليها في الجزء الأول من هذا المقال.

في المقابل، ستظل الحقول النفطية المشتركة ملفًا شائكًا بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي والعراق وهنالك مخاوف من إقدام إيران على تطوير الحقول من جانب واحد دون التشاور.  على الأغلب لن توافق الشركات النفطية العالمية على تطوير الحقول الحدودية من جانب واحد ما لم يكن هنالك توافق بين الطرفين على الحدود. هل سنشهد في المستقبل تأسيس شركات نفطية مشتركة (Joint Operations) بين إيران وجاراتها؟ ربما، وإن كان خيارًا مستبعدًا في ظل السياسة الإيرانية الحالية.

 

خاص_الفابيتا