السعيد من اتقى بـ«تويز آر أص»

25/09/2017 2
د. عبدالله الردادي

أعلنت شركة «تويز آر أص» الأسبوع المنصرم عن إفلاسها بسبب أزمة مالية تتعرض لها، وقد أوضحت الشركة أن إعلانها الإفلاس يأتي بشكل تطوعي من جانبها وذلك لحماية الشركة من الانهيار بشكل تام. وهذا الإعلان يشمل فروع الشركة في أميركا وكندا، علما بأن فروع الشركة في باقي دول العالم لن تتأثر بإعلان الإفلاس، يأتي هذا الإعلان ليؤكد أن هذه السنة هي «سنة كبيسة» على قطاع التجزئة في العالم، وأن طوفان التغيير في مجال الأعمال قد يشمل أي شركة، حتى وإن كانت بضخامة «تويز آر أص».

وتأتي أهمية هذه الشركة من كونها من قدامى الشركات الأميركية المتخصصة في مجال ألعاب الأطفال، حيث أسست في عام 1948، وتم طرحها للاكتتاب في عام 1987، وفي بداية الثمانينات توسعت الشركة لتبدأ نشاطها خارج الولايات المتحدة، حتى وصلت فروعها اليوم إلى ما يقارب 1600 فرع، يعمل بها أكثر من 64 ألف موظف. وهي من الشركات التي تمثل هيمنة الثقافة الأميركية في العالم، حتى إن الرئيس بوش الأب نفسه هو من افتتح أول فرع للشركة في اليابان عام 1992، في خطوة رأى فيها العالم نفوذ الثقافة الأميركية في اليابان.

عانت «تويز آر أص» على مدى العقد الماضي من مشاكل مالية، تسببت في تحمل الشركة الكثير من الديون، التي وصلت إلى 5 مليارات دولار حين إعلان الشركة إفلاسها. هذه التراكمات من الديون والفوائد المدفوعة التهمت سيولة الشركة كما تأكل النار الهشيم، حيث تدفع الشركة سنويا ما يزيد على 400 مليون دولار فوائد لهذه الديون. وهو ما يجعل الشركة تكتفي بالمقاومة وعدم الإفلاس بدلا من التوسع والتطور. ومع التطور السريع لسوق الأعمال، وجدت الشركة نفسها وقد تأخرت كثيرا عن تطورات السوق. وقد عانت «تويز آر أص» بشكل كبير في مجالي التشغيل الداخلي والمنافسة الخارجية. فالشركة كانت دائما ما تعاني من ارتفاع مستوى المخزون فيها، وهو ما يسبب تعثر تدفق السيولة في الشركة أولا وزيادة في الديون بالتالي. هذا الارتفاع في المخزون جاء بكل تأكيد من انخفاض مستوى المبيعات بسبب زيادة المنافسة بين الشركة وبين منافسيها.

وتأتي هذه المنافسة من شركتين تحديدا، الأولى في قطاع التجزئة وهي «وول مارت»، ففي حين تكتفي «تويز آر أص» ببيع الألعاب في متاجرها تقدم «وول مارت» خيارات أكثر في التسوق بالإضافة إلى الألعاب، وهو ما سبب زيادة في الحصة السوقية لـ«وول مارت» على حساب «تويز آر أص». المنافس الآخر بكل تأكيد هو «أمازون»، فمع تضاعف نسبة المبيعات الإلكترونية للألعاب من 6.5 في المائة في العام الماضي إلى 13.7 في المائة، تحولت مبيعات الألعاب من متاجر التجزئة إلى المتاجر الإلكترونية. وامتازت «أمازون» على «تويز آر أص» بتنوع البضائع في متاجرها الإلكترونية، تماما كما فعلت «وول مارت».

إعلان «تويز آر أص» الإفلاس يعطي دروسا عدة للشركات العالمية، أولها أن أي شركة قابلة للإفلاس أو الخسارة أو الضمور، ولعل «نوكيا» تعد المثال الأشهر لذلك. ثانيها أن انغماس بعض الشركات في مشاكلها الداخلية سواء كانت مشاكل إدارية أو مالية، يعميها عن تطور المنافسين، وعن التخطيط الاستراتيجي وتغيرات السوق. صحيح أن «تويز آر أص» افتتحت متجرها الإلكتروني عام 2000 حين كان موقع «أمازون» يبيع الكتب فقط عبر متجره، إلا أن «أمازون» توسع بشكل كبير منذ ذلك الحين وتكيفت منظومته بحسب التطور التقني، أما متجر «تويز آر أص» الإلكتروني فلم يتغير كثيرا منذ ذلك الحين. ولعله كان بإمكان «تويز آر أص» السيطرة على تطبيقات الألعاب الإلكترونية للأجهزة الذكية بامتلاكها موروثا ضخما لألعاب الأطفال، وبامتلاكها اسما تجاريا لامعا يجعل انتشار تطبيقاتها أسهل.

وعلى الرغم من وضوح معاناة قطاع التجزئة حول العالم بسبب زيادة الحصة السوقية للمتاجر الإلكترونية، فإن كثيرا من شركات قطاع التجزئة ما زالت تهمل مبيعاتها الإلكترونية، ويعود ذلك لأسباب كثيرة، منها عدم اهتمام الشركة بالنمو على المستوى البعيد، ومنها عدم اقتناع مديري الشركات بجدوى الاستثمار في المتاجر الإلكترونية بسبب ضعف مبيعاته في الوقت الحالي. ومنهم من يرى أن طبيعة بعض منتجات قطاع التجزئة غير قابلة للبيع بشكل إلكتروني، مثل الملابس أو المواد الغذائية. ولا بد أن هذه كانت نظرة إدارة «تويز آر أص» قبل خمسة عشر عاما، فمن يرى متاجرها المكتظة آنذاك لا يساوره الشك بأن شركة صغيرة مثل «أمازون» (حينها) قادرة على تهديدها، وهي شركة عمرها يزيد على خمسين عاما. إلا أن المتابع لهاتين الشركتين يستطيع أن يرى الفارق بين من يكيّف منظومة عمله مع تغيرات السوق ومن لا يفعل.. والسعيد من اتقى بـ«تويز آر أص».

 

نقلا عن الشرق الأوسط