الأزمة المالية لعام ١٩٢٩م! إلى أين يتجه السوق العالمي؟

19/09/2017 2
ناصر ناقرو

الأزمة المالية لعام ١٩٢٩م والتي تسببت في الكساد العظيم الذي استمر إلى عام ١٩٣٩م، كانت وما زالت محض إهتمام كثير من الأبحاث والاوراق العلمية وغير العلمية، حيث تركزت معظم الأبحاث والأوراق العلمية على أسباب مختلفة مثل: سعر الفائدة المنخفض، الإبتكار المالي “سوق الأسهم"، التكهنات المفرطة، والحرية الاقتصادية. جميعها أسباب صحيحه ولكن معظم الأبحاث تجاهلت السبب الحقيقي وراء تلك الأسباب المذكورة.  

الركود في الأجور، والزيادة في معدل عدم المساواة بين فئات المجتمع الأمريكي، كان السبب الحقيقي وراء الأزمة المالية وما تبعها من كساد عظيم حول العالم. الركود في الأجور أو ضعف الأجور تسبب في إنخفاض معدلات الإدخار و إرتفاع في معدل الدين، ومعدل استهلاك أعلى للفرد الأمريكي، وزيادة في ساعات العمل العام. عدم المساواة بين فئات المجتمع الأمريكي أيضا كانت السبب وراء الأزمة حيث كانت معظم الثروات محصورة على أفراد الطبقة العُليا للمجتمع فقط. وبذلك استطاعت الطبقة العليا من إغراق السوق بأدوات الدين المختلفة خصوصا في سوق الأسهم، حيث كان يستطيع الشخص شراء أسهم مثلا بقيمة اجمالية ١٠٠٠$ بوضع ١٠٠$، آو ١٠٪ فقط، كدفعه مقدمة وتمويل باقي القيمة للمستقبل الى ما أن يرتفع السهم يبيعه ثم يسدد المديونية. الذي تسبب بارتفاع سوق الأسهم بشكل جنوني " تكهن مفرط”. ضعف الأجور وعدم المساواة عملت كمؤثر خارجي على الطبقة المتوسطة و ما دونها في تحقيق ثراء سريع لمواكبة مستوى معيشي مقارب للطبقة العليا. لذلك كان إبقاء نسبة الفائدة على الدين منخفضة لتمويل أكثر عدد ممكن من الاستهلاك. أيضا، نظرية الانفرادية للمواطن الأمريكي والتي تنص على أن الفرد مسؤول عن مظهرة الخارجي و مكانتة الإجتماعية، التي ألزمتهم على العيش في مستوى اعلى من دخلهم، مما يعني مزيد من الاستهلاك بالدين واختفاء مفهوم الإدخار. بحيث تحقق الانفرادية في شراء سلع مرنه وغير مرنه في وقت واحد ، والمزيد من الاستهلاك إلى أن تصبح الكماليات ضرورة لا يُمكن الإستغناء عنها. حيث في عام ١٩٩٢ مثلت المبيعات بالدين للسيارات٦٠-٧٥٪، و للأثاث المنزلي ٨٠-٩٠٪، للمجوهرات ١٨-٢٥٪، مما زاد الأنفاق العام على السلع الثانوية بمقدار ١١٦٪ ما بين عام ١٩٢٩-١٩٢١، و ٣٤٪ على السلع الأساسية.   

 أختزال الثروة في الطبقى العليا من المجتمع حيث كانت تمثل ١% من تعدد السكان البالغ ١٢٠،٥٩٠مليون نسمة في عام ١٩٢٩، ومثلت ثروة الأثرياء ٨٠٪ من الادخار الكلي في الاقتصاد الكلي ١٩٢٩-١٩٢٠. زيادة ثراء الطبقة العليا، جاء نتيجة زيادة الإنتاج الكلي بمقداد ٦٤٪ في الاقتصاد الكلي مقارنة بثبات معدل الموارد البشرية في المصانع " الأيدي العاملة " الذي يمكن تفسيره بزيادة ساعات العمل للفرد الواحد، حيث كانت متسوط ساعات العمل ٦٠ ساعة في الأسبوع ١٩٢٠-١٩٢٠! اختزال الثروة للطبقة العليا أتاح لهم التحكم في السياسات المالية في الاقتصاد مما تسبب في رفع القيود عن المؤسسات المالية وعملها في السوق. حيث كانت الإدارة الأمريكية السياسية مهتمة بالأمور السياسية دون المالية. أضف على ذلك تمكن الحزب الجمهوري في حُكم كلاً من البيت الأبيض ومجلس الشيوخ الأمريكي. حيث كانت وما زالت شعارات الحزب الجمهوري الأمريكي، مع رجل الاعمال وضد التحكم الحكومي في أسواق المال أو ما يعرف بتحرر الأسواق المالية من الرقابة الحكومية وجعل القرار يعود للمستثمرين. 

الازمة المالية لم تكن متوقعه نتيجة التكهنات العالية جدا حيث حدثت بصوره مفاجئه، ٢٤ أكتوبر ١٩٢٩، بدأ سوق الأسهم الأمريكي في النزول مما اضطر سماسرة السوق الى الاتصال بالمستثمرين ومطالبتهم بالمزيد من الأموال لتغطية المديونيات حيث أن ٨٠٪ من العمليات كانت عبارة عن دين بوضع ١٠٪ فقط من قيمة الصفقة. لم يستطع المستثمرين بالوفاء بالدين مما اضطر السماسرة المالين للبيع لتغطية الخسائر الناتجة من إنخفاض قيمة السهم في التداولات، وسرعان ما أنتشرت الوتيرة لليوم التالي لتسبب شلل كامل في السوق الأسهم الأمريكي وسمي بالثلاثاء الأسود ٢٥ أكتوبر   

١٩٢٩. استمر الهبوط الى صيف ١٩٣٢ حيث اغلق مؤشر داو جونز الصناعي على ٤١.٢٢ نقطة وكانت أدنى قيمة في القرن العشرون تقدر بانخفاض ٨٩٪ من قيمته السوقية 

الحاضر لا يختلف كثيرا عن الماضي حيث يبلغ الدين الأمريكي ٢٠ ترليون دولار ويمثل ١٠٨٪ من الدخل المحلي الكلي للولايات المتحدة الأمريكية. يمثل دين بطاقات الائتمان ٣.٩ ترليون دولار او ٢٠٪ من الدخل المحلي الكلي للولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى ذلك رؤية الإدارة الأمريكية في تخفيض الضرائب على الطبقة الثرية، ورفع الضوابط عن الأسواق المالية، المضاربات العالية في سوق الأسهم على شركات لا تستطيع تحقيق ربح عوضا عن توزيع أرباح لمستثمريها! جميع الاوضاع الحالية لا تختلف عما كانت عليه في ١٩٢٩-١٩٢٠. الى أين يتجه السوق العالمي؟ هل نحن مقبلون على أزمة مالية عالمية جديدة؟  

 
خاص_الفابيتا