طريق الحرير الجديد

18/09/2017 4
د. عبدالله الردادي

أعلنت الصين في عام 2013 عن مبادرة لإعادة إحياء طريق الحرير، وهو مشروع جبار يهدف إلى إنشاء طريق يصل طوله إلى 12 ألف كيلومتر، يمتد من شنغهاي في الصين حتى العاصمة البريطانية لندن. يعد طريق الحرير من الطرق التاريخية التي تصل الصين بالعالم الخارجي، ويمتد تاريخه إلى 200 سنة قبل الميلاد. وقد وصل بين الصين والجزيرة العربية لأكثر من 3000 سنة، تم من خلالها تبادل البضائع بين التجار العرب في عمان والأحساء والكويت وغيرها من المناطق العربية مع التجار الصينيين. كما وصلت من خلاله البضائع الصينية إلى أنحاء أوروبا عبر الطرق البرية المارة بإيران والعراق وتركيا. إعلان الرئيس الصيني عن هذا الطريق، الذي سماه «طريق واحد.. حزام واحد» أو «طريق الحرير» شكل أهمية كبيرة على الجانبين الاقتصادي والسياسي، وشاركت أكثر من 62 دولة في القمة التي نوقش فيها هذا المشروع. وبينما تم تأييد هذا المشروع من قبل كثير من الدول، قوبل هذا المشروع بتشكك من الدول الأخرى.

الدول الموافقة على هذا المشروع انقسمت لقسمين، القسم الأول منها شكل له هذا المشروع أهمية اقتصادية لوجيستية من خلال مروره بها، ومنها باكستان وكازاخستان وتركيا ومصر، حيث يعتمد هذا الطريق بشكل أساسي على هذه الدول (وغيرها من الدول أيضا)، ونجاح هذا المشروع قد يؤدي بلا شك إلى انتعاش اقتصادي لهذه الدول. ويعطي مروره أهمية سياسية لها أيضا، خاصة إذا تم الاعتماد عليه بشكل جوهري في نقل البضائع الصينية إلى العالم الغربي. القسم الآخر من هذه الدول شكل له هذا الطريق أهمية اقتصادية استثمارية، وأبرز هذه الدول هي المملكة العربية السعودية، مرور طريق الحرير البحري بالبحر بالأحمر يشكل أهمية للموانئ الغربية للسعودية، وهو ما قد يزيد السفن العابرة عبر البحر الأحمر إلى الضعف على الأقل. وقد سبق لولي العهد السعودي التصريح بأن المملكة لا تستفيد حاليا من موانئها على البحر الأحمر بشكل كافٍ، وأن تفعيل هذه الموانئ هو إحدى خطط المملكة ضمن رؤية المملكة 2030، ولذلك فقد رحبت المملكة بشكل كبير بهذا المشروع وقوبل هذا التأييد بارتياح صيني، لا سيما أن هذا المشروع قد يوفر طرقا أسرع للنفط السعودي للصين والتي تعد المستورد الأكبر للنفط السعودي.

وتتصدر الهند الدول المخالفة لهذا المشروع، وذلك لأسباب سياسية بحتة، فالطريق يمر بمنطقة كشمير التابعة للهند، والهند ترى أن هذا الطريق الذي يمر في شمالها قد يبعدها أيضا عن الحركة التجارية، كما أن طريق الحرير سيربط الصين بباكستان بشكل مباشر بعيدا عن التأثير الهندي (حتى في حال عدم مروره بمنطقة كشمير). كما شككت الدول الأوروبية بالهدف من وراء إنشاء هذا الطريق، ملمحة إلى أن للصين أهدافا سياسية من وراء إعادة إحيائه، والواقع أن الصين ستكتسب أهمية جيوسياسية في حال تأسيس طريق الحرير، فالكثير من الدول سوف تستفيد بشكل غير مباشر من وراء غزارة الإنتاج الصيني، وسيشكل النجاح الصناعي وتصدير المنتجات الصينية لدول العالم دخلا غير مباشر لجميع الدول التي سيمر من خلالها طريق الحرير. تكلفة هذا المشروع قد تزيد على 200 مليار دولار، وقد استنفرت الصين الكثير من قواها المالية والسياسية لإنشائه، وقيمته التجارية قد تصل إلى أرقام فلكية. ويشكل هذا الطريق أهمية عظمى للصين، خاصة أنه يعد حلا جذريا لمشكلة فائض الإنتاج الصيني، فالإنتاج الصيني من الحديد والإسمنت والمكائن يفوق حاجتها الفعلية، ولذلك فإن تصدير هذه المنتجات للخارج يعد حلا نموذجيا للصين، ومع وجود خط مباشر بين الصين وأوروبا، فإن تصدير هذه البضائع سيكون أقل صعوبة مما عليه الآن، ولكن الدول الأوروبية أيضا قد تعاني من هذا التصدير، خاصة ومع الاتهامات الحالية للصين بالدعم الحكومي للمصانع الصينية، وبتأثيرها السلبي على المصانع الأوروبية.

والجلي أن الصين ماضية قدما في هذا المشروع على الرغم من الكثير من الاحتجاجات الدولية، فالمعترضون على هذا المشروع لا يرون فيه فائدة لبلدانهم، ويبررون هذه المعارضة بالتشكيك في النوايا الصينية بالسيطرة على الخطوط التجارية في العالم. أما الصين فقد صرحت بأنها - بإقرارها هذا المشروع – تبني جسورا تربط بينها وبين دول العالم، ولا تبني جدرانا تحميها من العالم، في دلالة واضحة على الإحجام الأوروبي والأميركي من النجاح الصناعي للصين، وتلميحا لرسوم الإغراق المتزايدة على البضائع الصينية في أوروبا والولايات المتحدة. وبعيدا عن جميع التوقعات السياسية، فإن طريق الحرير سيشكل فائدة اقتصادية عظمى لدول العالم، وسيخدم بحسب الإحصائيات أكثر من 65 في المائة من سكان العالم، وهو ما لا تستطيع الهند والعالم الغربي إنكاره.

 
نقلا عن الشرق الأوسط