إعلانات “الفوركس” والبحث عن ضحايا جدد

17/09/2017 1
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

انتشرت في الآونة الأخيرة عشرات الإعلانات عن فرص ووعود بتحقيق ثروات وأرباح خيالية في عدة قطاعات، لكن أبرزها وأكثرها انتشارا هي إعلانات المتاجرة بـ “الفوركس” (العملات والمعادن)، لقد امتلأت صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بعشرات أو مئات الإعلانات الموجهة إلي السوق الخليجية وبالذات السعودية التي تحمل صورا لأشخاص (من الواضح أنهم غير سعوديين ولا حتى عرب) يرتدون الزي السعودي بشكل مغلوط ومضحك وخلفهم سيارة باهظة الثمن وقصر لتعطي دلالة على الثروة مع عبارة تشير إلى أن هذه الثروة تحققت بسبب التعامل بالفوركس، طبعا كل هذه الإعلانات في الحقيقة مجرد خداع وعملية نصب وذلك من جهتين هما:

1 – حقيقة وجود هذه الشركات على أرض الواقع ومدى مصداقيتها، أغلب إن لم تكن كل هذه الشركات التي انتشرت إعلاناتها في وسائل التواصل الاجتماعي هي شركات مزيفة وغير حقيقية بل لا وجود لها في الأساس تهدف إلى جمع الأموال من المغرر بهم عبر حوالات لحساباتهم خارج المملكة بطريقة لا يمكن استرجاعها.

ولقد تواصل معي شخصيا عدة أشخاص يقصون عليّ ما حدث معهم من نصب، وكيف وثقوا بهذه الإعلانات وحولوا أموالهم إليها بدافع البحث عن الثروة لكن وبعد وصول هذه الأموال إليها اختفوا تماما، عندها قرر أحدهم (كما أخبرني) الذهاب إلى بلد إحدى هذه الشركات وعند وصوله إلى العنوان المفترض، فوجئ بعدم وجود أي شركة بالاسم المعطى له وغير مسجلة أصلا في السجلات الرسمية في البلد. الشواهد والقصص من ضحايا هذه الشركات الوهمية كثيرة جدا ومع الأسف ما زال هناك من يصدقهم، وأخيرا شنت مؤسسة النقد ووزارة التجارة حملة على هذه المواقع الإلكترونية تحذر منها ومن التعامل معها، وتهدد كل من يروج لها وهي خطوة جيدة وإن كانت متأخرة، حيث يجب وضع حد لها.من ناحية أخرى، يجب عمل تنظيم للشركات المعترف بها دوليا التي تريد الترخيص تحت مظلة مؤسسة النقد.

2 – الادعاء بتحقيق أرباح خيالية، “في حال تجاوزنا مصداقية وجود هذه الشركات أو “أنها مرخصة فعليا”، كل الإعلانات تدعى بتمكين الشخص من تحقيق أرباح خيالية تفوق 30 في المائة شهريا بل بعضها وصل به حد الكذب والنصب للادعاء بتحقيق أكثر من 90 في المائة وهذا مخالف تماما لواقع التعامل في هذه السوق بالذات وغيرها من الأسواق بشكل عام، أولا ومن واقع خبرة تعامل مع سوق الفوركس تزيد على ست سنوات كمضارب عملات في إدارة الخزانة لأحد المصارف.

أعلم أن هذه السوق واحدة من أكثر الأسواق خطورة على الإطلاق، وخصوصا لغير المحترفين، حيث إن التعامل معها يتطلب أخذ تسهيلات عالية وهذا يعرض الصفقات إلى مخاطرة عالية مع أي تذبذب صغير في السعر، ومن اطلاع على عملاء كثر يتعاملون بـ “الفوركس” بعضهم محترف وبعضهم لا، وجدت أن الأغلبية (90 في المائة) خسروا جميع ممتلكاتهم في هذه السوق، ولذلك الوعد بتحقيق أرباح خيالية دون التطرق إلى المخاطر العالية يعتبر غشا وتدليسا على المتلقي البسيط. لا شك أن سوق الفوركس تعد أكبر سوق تداول في العالم وتتضمن سيولة هائلة، لكن هذا لا يعني أبدا أنها مناسبة لأي شخص بل على العكس قليل جدا من المضاربين المحترفين الذين نجحوا وحققوا ثروات.

وكذلك لا تخلو من التلاعبات بالأسعار وأوامر وقف الخسارة وغيرها، وفي اعتقادي هي لعبة للكبار بل للعمالقة وليس للصغار، حيث يتم سحقهم والاستيلاء على ثرواتهم في هذه السوق، وزيادة على ذلك الأساسيات التي تحكم هذه السوق ليست مثل التي موجودة في سوق الأسهم (وكلاهما خطر)، حيث تداولك للعملة أو المعدن لا يحقق لك أرباحا إلا إذا حققت ربحا من فارق السعر فقط (سواء في الشراء أو البيع)، بينما في الأسهم تستطيع الاحتفاظ بالسهم وتحقيق أرباح عن طريق التوزيعات النقدية من دون اللجوء إلى البيع، وهنا فرق كبير لمصلحة الأسهم ولذلك هذا يقلل من الخطورة في سوق الأسهم مقارنة بالعملات.

أختم بنصيحة، لا تصدق أي إعلان يعدك بأرباح خارج المعقول مثل 10 في المائة شهريا أو 90 في المائة كل ثلاثة أشهر وغيرها من النسب المبالغ فيها للاستدراج، بل تأكد بنفسك وكلما زادت نسبة الأرباح الموعودة تأكد النصب فيها، وهذا يشمل جميع أنواع الاستثمارات مثل “الفوركس” أو “إدارة المحافظ” أو “عقارات” أو تجارة عامة وغيرها كثير، ولو كانت بمثل هذه النسب الموعودة صدقني لن يحتاج مروجها إلى الإعلان، بل إن الوسيلة الأسرع لتحقيق هذه الأرباح العالية هو الاحتيال بجمع الأموال من الناس، ومن ناحية أخرى، تأكد من موثوقية الجهة عن طريق الجهة المشرفة، مؤسسة النقد كمثال عن نشاط “الفوركس” أو من وزارة التجارة أو عن طريق هيئة سوق المال وهي الجهة المخولة بالترخيص لأي شركة تهدف إلى جمع الأموال بهدف الاستثمار نيابة عن العملاء، وأيضا لا تكتفي بادعاء الشركة الحصول على الترخيص بل تأكد من الجهة نفسها واسألهم عن هذا الترخيص هل هو حقيقي أم لا؟