آفاق الاستثمارات في الطاقة: تريليونات الدولارات ودور للقطاع الخاص

10/09/2017 0
وليد خدوري

تشير التوقعات إلى بلوغ قيمة الاستثمارات المطلوبة في مجال الطاقة نحو 16 تريليون دولار بين عامي 2001- 2030، لبناء طاقات جديدة تلبي الطلب المتنامي مع ازدياد عدد سكان العالم، وارتفاع مستويات المعيشة في الدول النامية، فضلاً عن تعويض منشآت الطاقة التي ستصبح قديمة واستبدالها ويستوجب تغييرها لتلائم التقدم التقني السريع في المنشآت الجديدة والطلب المتزايد سنوياً.

ولا يستبعد تقرير «وكالة الطاقة الدولية» (2003) السنوي حول آفاق الطاقة والمختص في شؤون الاستثمارات، أن يزداد التوسع في أسواق الطاقة نحو الثلثين خلال العقود الثلاثة الأولى للألفية الحالية، أو ما يعادل زيادة الطلب بنحو 1.7 في المئة سنوياً. إذ ترجح أن يهيمن قطاع الكهرباء تحديداً على استثمارات الطاقة، سواء كان ذلك في توليد الكهرباء وإيصالها أو توزيعها. وتُقدر التكاليف لهذا القطاع بنحو 10 تريليونات دولار أو 60 في المئة من استثمارات الطاقة الإجمالية خلال الفترة المذكورة. هذا، في وقت ستشكل قيمة الاستثمارات في كل من قطاعي النفط والغاز نحو 3 تريليونات دولار لكل منهما. إذ يشكل الاستثمار في صناعة النفط الحجري نحو 400 بليون دولار. بينما تُقدّر الاستثمارات في بدائل الطاقة المستدامة من الرياح والشمس، بنحو ثلث ما سيُوظّف في مجال الطاقة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الدول الصناعية).

ويُحتمل أن تتطلب الدول النامية نحو نصف الاستثمارات العالمية، نظراً إلى سرعة زيادة الطلب فيها، إذ يُتوقع أن تحتاج الصين إلى استثمارات بقيمة 2.3 تريليون دولار أو 14 في المئة من المجموع العالمي. وستكون الحاجة إلى هذا الحجم من الاستثمارات متشابهة في الدول الآسيوية الأخرى وتحديداً تلك الكبيرة، مثل الهند وإندونيسيا. ولا يُستبعد أن يبلغ الطلب على الاستثمارات في أفريقيا نحو 1.2 تريليون دولار وتريليون في دول الشرق الأوسط، إذ تشكل الاستثمارات في مجال إنتاج النفط والغاز نحو نصف الاستثمارات المطلوبة للطاقة. وتتجاوز قيمة الاستثمارات في المشاريع التصديرية للنفط والغاز في الدول النامية 40 في المئة، بسبب توافر معظم الاحتياطات النفطية والغازية في هذه الدول. ويُذكر أن جزءاً كبيراً من هذه الاستثمارات، سيكون ضرورياً فقط لاستبدال ما هو موجود من منشآت تقادمت وتوفر الإمدادات للطلب الحالي.

وتظهر الدراسات الحديثة لاستثمارات الطاقة المستقبلية، اهتماماً واضحاً بكيفية تمويل المشاريع المطلوبة، ما يستدعي توفير الأجواء والقوانين اللازمة للتمويل وتحديداً من المدخرات الداخلية لكل دولة، فضلاً عن تأمين حيز للتمويل الخاص الداخلي أو الخارجي من خلال الاضطلاع بدور مهم في الاستثمارات المستقبلية، خصوصاً في وقت انكمشت موازنات دول كثيرة. إذ تتجه الاستثمارات إلى قطاعات ضرورية أخرى مثل التعليم والصحة.

وفي حال تقلّص حجم الاستثمارات الحكومية، فإن ذلك يستدعي جذب اهتمام المؤسسات المالية المحلية أو الأجنبية للمساهمة في تشييد قطاع الطاقة وتوسيعه، الذي يشكل سلسلة من مشاريع البنى التحتية وبالذات الكهربائية، من خلال تشريع القوانين اللازمة لتأمين الاستثمارات واستقرارها لعقود طويلة، ولتأمين الربح المناسب في مقابل أخطار الاستثمار.

واللافت، أن دراسة الوكالة أو معظم الدراسات الأخرى المماثلة التي صدرت لاحقاً، تتفادى الولوج في معالجة مخاوف قوى واسعة من الرأي العام المحلي في الدول النامية، حول كيفية مواجهة شيوع الفساد في هذا القطاع، خصوصاً في حال مشاركة القطاع الخاص في شكل واسع. إذ إن إهمال كيفية تدارك موضوع الفساد والقوانين والأنظمة الواجب تشريعها لتوسيع دور القطاع الخاص في الاستثمارات الطاقوية أو عبورها مرور الكرام، يشكل هفوة كبيرة لا يمكن إغفالها لإنجاح هذه المبادرة. لذا توجد أهمية للنظر في موضوع الفساد والتشريع، خصوصاً أن الحاجة إلى استثمارات القطاع الخاص في الطاقة، هي الأكبر حجماً والأكثر حاجة في الدول النامية.

والمشكلة طبعاً هي أكبر من موضوع الفساد مع مشاركة القطاع الخاص لأنها موجودة حالياً، إذ يهيمن القطاع العام على صناعات القطاع بمختلف أنواعها. وتكمن المشكلة بغياب الشفافية وتدخل المسؤولين الكبار المفضوح في الدول النامية.

وتتطلّب مشاركة القطاع الخاص في استثمارات الطاقة تشريعات وسياسات جديدة، منها التزام الحكومات الاتفاقات الموقعة وتعهدها بالتزاماتها. وتستدعي المشاركة ضمان استعادة المؤسسات المالية لقروضها والفوائد المتفق عليها. هذه ملاحظات سريعة لتطور اقتصادي ستواجهه صناعة الطاقة في الدول النامية. ففي ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، أصبح من الواضح، أنها الطريق التي ستسلكها الصناعة في المستقبل، مشاركة القطاع الخاص في صناعة الطاقة. ومن الأجدى التعامل مع الموضوع بدراية وقريباً، وتحديداً في الدول العربية قبل أن تفوت الفرصة مرة أخرى.

 

نقلا عن الحياة