الخصخصة للاقتصاد كالتصويت للانتخاب

21/08/2017 1
سعيد بن زقر

يمكن تشبيه الخصخصة في الاقتصاد كالتصويت لصندوق الانتخاب. إذ إن كليهما حلقة ضمن حلقات متداخلة ومتصلة ولكنها تؤدي إلى هدف محدد. بكلمات أخرى أي منهما ليس غاية أو هدفاً وإنما ناتج عمل حلقات ووسائل أخرى. فمن المعلوم أن التصويت الانتخابي يسبقه ترويج لإقناع الجمهور ليصوت لجماعة أو فرد. مع إعلاء قيم إنسانية كالمساءلة والمحاسبة والشفافية أو معانٍ حقوقية مثل : من أين لك هذا؟ فضلاً عن إبراز سلوكيات في المرشح كقيم التراحم والتوازن ونشر العدالة. الهدف تشكيل الرأي العام ليميل نحوه ويصوِّت لبرامجه أو من يتبناها. وغني عن القول إن المجتمعات الغربية لم تصل إلى هذه المرحلة إلا بعد مرورها بسلسلة تطوير ومواكبة لمقتضيات الحال. وتاريخ أوربا خير دليل على ذلك لمن يتأمله. فأغلبية دول أوربا كانت ملكية وكان يقودها فارس أو قائد على نحو حال بريطانيا. والشاهد يجب إعمال النظر للفكرة كعملية مستمرة. فالانتخاب ناتج أو مظهر لحلقات كانت ولا تزال مفتوحة على التحديث والتطوير وقبوله واحتضان أفكاره.

ومثل ذلك يمكن أن يقال عن الخصخصة وعلاقة المجتمعات الرأسمالية بها. فهي لم تبدأ بضربة لازب وإنما بدأت ضمن سياق التطوير والتحديث والتغيير الاقتصادي. وعندما بلغت مرحلة استلزمت التحول لتبني الخصخصة تم تبني حزمة من الإصلاحات جسَّدتها برامج دعم اجتماعي واقتصادي برعاية القطاع العام. وبعضها لا يزال قائماً وإن تعددت نسخها، ويمكن ملاحظة تلك البرامج في تجربة سنغافورة وأستراليا وأوربا الغربية. وعبر السنين طورت الإنسان والمكان ورفعت من مستوى المعيشة وجودة الحياة للجميع. وللتدليل على نجاح هذه البرامج أنها لم تترك فرداً يتراجع إلى الخلف عن معايير ومستويات الحياة الكريمة. لأن الموج ينبغي أن يحمل كل السفن لتمخر عباب البحر وتعبر نحو الغايات. وكثمرة لهذه البرامج اشتد ساعد القطاع الخاص وقويت شوكته فازدهرت قطاعاته الصناعية مثلما تطور القطاع الزراعي الذي صار يستخدم التقنية في عملياته مما دمج القطاع وقلل من العمالة الكثيفة وحل مشكلة الإنتاج ووفر فائضاً عن حاجة المجتمعات المحلية، فانتعشت الصادرات إلى الخارج وزادت الإيرادات. وهكذا دخلت هذه المجتمعات مرحلة الخصخصة وهي اليوم تعيش مرحلة ما بعد الخصخصة أو ما يسمى بمرحلة العولمة.

وحيث إن الحكمة ضالة المؤمن، فأنى وجدها أخذها، هذا يوجب أن لا نخلط بين حابل الخصخصة بنابلها فيختلط الخطأ بالخطل. والحال كذلك لابد من توظيف تجارب غيرنا للاستفادة من الإيجابي فيها ونفي السلبي. إن تجربة القارة العجوز، صيرورة قرون وتبدو تجربة أمريكا مجرد صدى وردة فعل لتجربة أوربا. إن في التجارب قصصاً وعبراً قد توصل لقناعة بأن أوربا ما خرجت من تخلفها الاقتصادي والفكري إلا بتبنيها لتجارب غيرها وأهمها أخلاق الخلق. فقد كانت تعيش في ظلمات القرون الوسطى حتى أضاءت الأندلس عتمة ظلماتها، ولهذا نقل تجاربها في الخصخصة بقدرما يستلزم الصبر على برامج التطوير والدعم والتحديث بقدرما يحقق مفهوم أن بضاعتنا ردت إلينا.

 

نقلا عن المدينة