صديق الرخاء وعدو الشدة : المصاريف

09/08/2017 3
أحمد حسن فتيحي

لعل تجربتي الشخصية قد لا تكون المثال الذي يُحتذى أو الطريقة المثلى لتتبعها .. ولكني أضع ما أعرفه بكل تجرُّد .. سواء كان فيها قبول أو اعتراض .. فذاك لا يعني أني أخرج عن دائرة تقديري لهذه التجربة ..

نتيجة للظروف المحيطة فقد كان هدفي الأول زيادة المبيعات وتخفيض المصاريف ..

زيادة المبيعات مهم ولكنه غير متحقق دائماً .. فليس ذلك إلا نوعاً من الومضات التي تحصل عليها الشركة نتيجة لعروضها الترويجية .. والتي لايمكن استمرارها بشكل دائم.. الأمر الذي يؤثر على سمعتها وقدرتها على التعامل مع عملائها ..

أما تخفيض المصاريف فأصعب في التنفيذ .. ويحتاج إلى جرأة عملية قوية ..

واتضح لي في الآونة الأخيرة وبعد مرور أكثر من ستة عقود عملياً .. أن جميع الموظفين قادرون على التكيف مع القرارات المفيدة للشركة ..

وكم من المرات استمعت إلى البعض يقولون إن بعض الموظفين لا يوافقون على ذلك.. لكن بعد التنفيذ والتغيير والانكماش لتخفيض المصاريف .. لا يتذكرون ما كان العمل قبل ذلك..

أيضاً فإن الوقت الذي يستغرقه التفكير وتحتاجه الأعمال لتحقيق أرباح .. يعتمد كثيراً على سرعته وقدرته على خلق الإحساس لدى العاملين في الشركة بأهمية الإنجاز السريع ..

وجدت من تجربتي أن لاشيء مهم يتطلب أياماً وشهوراً .. إلا إذا كانت فيه مصاعب وعراقيل مفهومة ومعروفة ومبررة .. واكتشفت أني كلما أعطيت وقتاً أطول .. طُلب مني وقت إضافي ..

إني أعتقد بأن المصاريف شر لابد منه .. وبدأت في تخفيض المصروفات .. بدلاً من التأكد من جدوى قراري .. ويمكن لي مراجعته وتصحيحه والعودة إليه إذا اتضح عدم جدواه .. واتخذت قرارات بإلغاء أمور كثيرة .. حتى أتأكد من جدوى وجودها ..

لقد استعملت في الصرف قدرتي على معرفة المصروف .. والتحقق من تلك الإجراءات بإطالة الوقت قبل الصرف .. وأوضحت أن هناك رقابة شخصية من رئيس الشركة تتطلب الحذر .. ولكن لا تعليق على توافه الأمور .. فإن حرصي على القليل لا يساعدني في إقناع الآخرين بالتوفير..

لقد بدأت في نقاش المصاريف بجدية واحترام .. ومن توفير القليل يُجمع الكثير .. ووضعت قوة المصاريف في مواجهة القوة المضادة لها في الترشيد ..والمشكلة الحقيقية التي واجهتُها وبعنف هي التوفير في التسويق .. وكنت مؤمناً أن مصروفات التسويق من أهم أسباب زيادة المبيعات ..

ونظراً لأن السلع الكمالية التي أعمل بها لها حجم معين .. وليس الحاجة إليها إلا القياس الحقيقي لحجم سوقها .. وبالرغم من الوعود التحفيزية إلا أن تلك الوعود لم تأت أُكُلها .. لأن الأحوال المحيطة بها لا ترقى إلى تحقيق طموحات البائعين الذين يصابون بالاكتئاب .. ولا يفرج عنهم إلا عندما يتأكدون أنهم ليسوا الوحيدين في التراخي ..

وقد أدّعي في الشركة أننا ملتزمون أخلاقياً مع الموردين الذين نتعامل معهم .. ونجد في ثقتهم كثيراً من الارتياح .. إلا أن هذا لا ينفي أن نجد فرص تخفيض المصروفات بالحصول على تخفيض استثنائي يصحبه تسديد مبكر .. وبذلك نكون قد أخذنا معظم التدابير اللازمة لخفض المصروف ..

إن الاستغناء عن فروع لا يحقق نتائج إيجابية .. قد تكون مؤثرة إجتماعياً في فترة ما.. ولكنها تعتبر نوعاً من العثرات في مستقبل الشركة في وقت آخر ..

إن تخفيض المصروفات بشتى الوسائل الممكنة .. والتي لا تؤثر على سيرة الشركة مطلب أساسي للاستمرار .. وشجاعة وجرأة مطلوبة .. فليكن هناك من يقول 50 مرة قفلت محلات .. ولا مرة يقول سقطت الشركة ..

وخذ من شبابك لهرمك .. فإن الشركة التي استثمرت أموالها بشكل مُجزٍ أيام الرخاء فإنها تجني ثمرة ذلك وقت الشدة .. ومالك ما في جيبك وليس ماهو في جيب الآخرين ..

أخيراً .. كثير من الموظفين يشغلون أوقاتهم بأعمال ليس لها قيمة .. وقد أعمل في المستقبل القريب أن أجعل العنصر البشري على قدر العمل الذي أحتاجه .. وسأقوم بإهداء الألقاب لمن يستحقون ليكون في سجلهم الذاتي وبأقل تكلفة..

وعندما أظن أن الإستشاري الخارجي يكون له بصمة في تحريك أرباح الشركة سأدفع له بقدر ما يحقق .. ولو أني أرجو ذلك ولا أتوقعه.

 
نقلا عن المدينة