اللاعب الاحتياطي.. في الاقتصاد السعودي

07/08/2017 0
جمال بنون

الشيء اللافت في برنامج رؤية السعودية 2030، هو أنه بحثت عن مكامن القوى الموجودة لديها التي لم تستغلها من عقود، نتيجة أن جهدها كان منصباً على النفط ومشتقاته، لهذا لم تبرز أنشطة اقتصادية أخرى. كان بإمكانها أن تلعب نفس دور النفط، أو كما يقول الرياضيون، إذا كان لديك لاعب احتياطي يستطيع أن يقدم نفس مستوى اللاعب الأساس، فلماذا تبقيه على دكة الاحتياط؟

خلال أقل من 90 يوماً أعلنت السعودية عن مشروعات نوعية في فكرها ومفهومها الاقتصادي، تعد من اللاعبين الذين سيؤدون نتائج جيدة في المستقبل، وسوف تسهم في تنويع مصادر الدخل وخلق فرص وظيفية، وأيضاً سيسمح بدخول استثمارات أجنبية وأيضاً محلية، مما سيؤدي إلى رفع مكانة السعودية في سوق التنافسية العالمية.

نبدأ من الأخير والذي تحدثت فيه وزارة الاقتصاد والتخطيط عن إنشاء مناطق اقتصادية خاصة ضمن النطاق المكاني لمطاري الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، ومطار الملك خالد الدولي في الرياض، وهذه المناطق من شأنها جذب استثمارات أجنبية مباشرة.

وتُعرف هذه المناطق عالمياً بأنها تخصص لتصدير البضائع وتوفير الوظائف، وعادة هذه المناطق تستثنى من الضرائب والجمارك، كما أن لها قوانين خاصة، وفي بعض الدول يسمح بإقامة المصانع على إنتاج بضائع بأسعار منافسة، ويتم تصنيف هذه المناطق بأنواع مختلفة حسب أنشطتها واتجاهاتها، من بينها منطقة التجارة الحرة، المناطق الحرة، ومنطقة معالجة الصادرات، والمناطق الصناعية، والموانئ الحرة، ومناطق المشاريع الإعمارية، وهناك بلدان لديها أكثر من منطقة اقتصادية خاصة بمختلف أنواعها، ومعظمها ينتشر في آسيا الوسطى ودول أميركا الجنوبية وأوروبا، ونصيب العالم العربي ضئيل جداً، ما يعني أن تجربة المنطقة الاقتصادية الخاصة تجربة جديدة. وإن كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تعد أحد الدول المتقدمة في مجال المناطق الحرة، لما لها تجربة وخبرة وإدارة ناجحة، تليها مصر ثم الأردن، أما عالمياً فتعد الصين أحد النماذج الرائعة في إنشاء وإدارة المناطق الاقتصادية الخاصة، فقرية «لوهفاتغ» الصينية احتفلت قبل أشهر بمرور 30 عاماً على إنشاء منطقة اقتصادية خاصة. قصة هاتين القريتين أنهما كانتا لفلاحين، وكان دخلهم السنوي لا يزيد على 134 يوان قبل 30 عاماً، أما الدخل السنوي للسكان فكان يبلغ 13 ألف يوان، وأزقتها ضيقة، وطريق واحد، الآن ترتفع ناطحات سحاب وعدد السكان يتزايدون، وشوارعها تتسع للعديد من أنواع المركبات، وتحتل صادراتها المركز الأول لمدة 17 سنة متتالية داخل البلاد، ودخول السعودية في هذا المجال يعد أحد المجالات الجديدة، التي سوف تضيف للاقتصاد المحلي الكثير من الفوائد، وتخلق تجربة جديدة.

أما المشروع الآخر الذي كان له صدى عالمي كبير لدى الأوساط الاقتصادية، هو إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مشروع البحر الأحمر السياحي، وهو استثمار الجزر التي تتميز بها هذه المناطق، وعددها 50 جزيرة، كما أنها ستكون ذات أنظمة وقوانين منفصلة، بحيث يمكن للزوار أن يأتوا إليها ويعودوا منها، وفق أنظمة وقوانين سيتم إقرارها، وهذا فكر جديد تدخل به السعودية في مجال السياحة، ما يعني أن المنطقة ستشهد بعض التسهيلات والاستثناءات للشركات والمستثمرين، بما يتوافق مع رؤية السعودية وتطلعاتها، لتكون دولة منافسة في مجال السياحة، لما منحها الله من مزايا وأرض خصبة.

مشروع البحر الأحمر السياحي هو استغلال للمناطق التي كانت مهملة في السابق ولم يكتشف أحد أهميتها، هما محافظتا أملج والوجه، ودخول صندوق الاستثمارات العامة لدعم هذه المشروعات يعني أن المستثمرين سيدخلون بثقة، لكونه صندوقاً حكومياً، وهذا سيغير من المفاهيم السياحية البحرية في السعودية، وأيضاً نوعية المشروعات المتوقعة. قد يقول البعض إن هذه المشروعات لن تتلاءم مع دخل السائح السعودي، فأقول هناك مشروعات في كثير من الدول تنشأ لجذب سياح أجانب، وليس بالضرورة أن تكون مخصصة للسياح المحليين، فبرج ايفل في فرنسا يحضره الناس من دول أجنبية ويستقطب حضوراً مميزاً من السياح، ونفس الحال لتاج محل في الهند والأهرامات في مصر، مشروع البحر الأحمر الذي سيبدأ إنشاؤه العام المقبل وينتهي من مرحلته الأولى في 2022 هو وجه جديد للاستثمار السياحي البحري.

ويأتي مشروع «القدية» الذي اختير موقعه جنوب غرب الرياض، وهو أيضاً نقلة حديثة في إنشاء أكبر مدينة ثقافية وترفيهية على مستوى العالم، وهذا بحق يسجل لصالح الهيئة العامة للسياحة والآثار، التي استطاعت بعد جهد كبير إطلاق أهمية تنوع السياحة وانتقالها من التقليدي إلى التنوع المعرفي والثقافي، وأيضاً الجانب الترفيهي، فمشروع القدية سيشمل منطقة سفاري كبرى، وقبلها أعلن عن تطوير جزيرة فرسان في جازان، وإنشاء هيئة عليا لتطوير العلا.

ضخ بلايين الريالات في مجال السياحة هو يعني أن السعودية بدأت تستعين بلاعبيها الاحتياطيين الذين بقوا لسنوات على دكة الاحتياط.

وهذا يتطلب مهارة عالية في التسويق والتأثير الإعلامي لمثل هذه المشروعات، وأيضاً اختيار الشركات لها فاعلية وسمعة جيدة في الأسواق، من بينها العلامات التجارية المعروفة، لأنه اليوم أصبحت الشركات ذات السمعة الطيبة هي التي تحظى بقبول لدى الناس، ومن المهم جداً أن تسهم هذه المشروعات في خلق بيئة عمل وخلق فرص عمل، وأن يعمل القائمون عليها بكل شفافية، وألا نُصدم مثلما حدث مع المدن الاقتصادية، فكل ما نعرفه هو ما نقرأه في الصحف ولا نرى شيئاً على أرض الواقع.

 

نقلا عن الحياة