ولادة متعثرة.. للمؤسسات الصغيرة

31/07/2017 2
جمال بنون

 أقترح على وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد القصبي أن يتنكر في زي مواطن بسيط عادي ويجرب استكمال الإجراءات اللازمة لممارسة نشاط تجاري لأي صاحب مؤسسة صغيرة ومتوسطة، وأيضاً يستكمل استخراج بقية الأوراق النظامية والتراخيص من الجهات الحكومية المرتبطة بالتجارة والاستثمار، وسيقف بنفسه على حجم المعاناة التي يواجهها التجار وحجم التنقلات من إدارة إلى أخرى والمبالغ والرسوم التي تطلبها الجهات الحكومية لتسديدها والوقت المستغرق لممارسة النشاط الفعلي، وبعدها نطلب من الوزير أن يعطينا رأيه في خدمات الوزارة، وأيضاً جهود جذب الاستثمارات وخلق بيئة تستقطب رؤوس الأموال المحلية وأيضاً الأجنبية، وهل بالفعل تتناسب مع المرحلة المقبلة في خلق فرص عمل وبيئة أعمال!

اخترت وزير التجارة والاستثمار لتقمص دور المواطن العادي البسيط لأسباب عدة، أولاً: لأن وزارته تتعلق بمنح السجلات التجارية لممارسة أي نشاط تجاري، وهي البوابة الأولى لدخول مجال التجارة. ثانياً: لأن وزارته أيضاً هي بوابة رجال الأعمال نحو الاستثمار، وهذا يتطلب ليس فقط تمكينه من الدخول إلى البوابة الإلكترونية، بل ترابط كل المؤسسات التي تحتاج إلى تراخيص منها، والأمر الآخر أن هذه الوزارة تضم هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يترأس مجلس إدارتها الوزير القصبي، ومحافظ الهيئة رجل أعمال معروف بخبرته الإدارية، إذ كان رئيس غرفة تجارية عريقة وهي غرفة جدة الدكتور غسان السليمان، وعلى رغم مضي أكثر من ستة أشهر على قيام هذه الهيئة، إلا أننا لم نلمس أي خطوات تشير إلى أن الأمور تسير نحو تسهيل الإجراءات لأصحاب المنشات الصغيرة والمتوسطة!

ننطلق من البداية، إجراءات استخراج السجل التجاري لا تستغرق سوى 180 ثانية، إلا أن هذا ليس كل شي، فالسجل التجاري لا قيمة له إذا لم تستكمل الإجراءات الرسمية من إدارات حكومية أخرى، من الغرفة التجارية إلى البلدية، وهنا يستغرق الأمر أكثر من ثلاثة أسابيع إلى شهرين، وما يترتب عليها من رسوم. ومع توجه مديرية الدفاع المدني إلى تحويل الكشف على المحال التجارية لمؤسسات السلامة، فهذا موال آخر، فالرسوم ليست محددة، وكل مؤسسة تحدد وتطلب رسوماً وفق أهوائها، من دون رقيب أو متابعة من أجهزة مديرية الدفاع المدني، وهي أجور إنهاء معاملة وليست رسوماً حكومية، بعدها تنتقل إلى إجراءات إلزامية للاشتراك في الغرفة التجارية، والحصول على عنوان بريدي، ويحصل بريد «واصل» في كل مرة تستخرج فيه رخصة أو سجل تجاري إلى مبلغ 500 ريال، وبعدها تستكمل أوراق مكتب العمل وشهادة السعودة، وخطاب التأمينات الاجتماعية، وإذا أردت أن تستخرج تأشيرة للمحل، فيجب أن تعلن في موقع وزارة العمل وتنتظر مدة شهرين حتى تحصل على التأشيرة! طبعاً هناك إجراءات أخرى ومشوار طويل، وأعتقد من يستطيع أن يكمل إجراءات استخراج الرخصة في زمن قياسي من البسطاء من الناس فهو «ذو حظ عظيم».

وليسمح لي وزير التجارة أنني اخترته من بين كل الوزارات الأخرى والمؤسسات الحكومية، لأنني أعلم أن وزارة التجارة والاستثمار هي المدخل الأول لأي مستثمر، إما أن يستمر إذا كانت الإجراءات سهلة، أو يخرج من منتصف الطريق، ونحن الآن في عصر ارتفعت فيه أجور الخدمات والرسوم، فمن المفروض أن تخفف الإجراءات، رحمة بالشباب المبتدئين أو التجار الصغار.

كنت أتمنى أن تكون وزارة التجارة من خلال موقعها «مايسترو» من يقود المؤسسات الحكومية المعنية بتخفيف الإجراءات وتسهيلها وإيجادها في موقع واحد.

ويلاحظ أن إنهاء الإجراءات بالنسبة للنساء في موقع الرجال أخف من الأقسام النسائية، من خلال الملاحظات التي وردتني أن العاملات في الأقسام النسائية في معظم الإدارات الحكومية، ليس لديهن إلمام بالأمور الإدارية، وأحياناً تطول مدة الانجاز، نظراً للاستعانة بقسم الرجال، كما لا تزال السيدات يواجهن العديد من المشاكل في إنهاء معاملاتهن والتأخير، وفي مرات كثيرة طلبت أوراق أو مستندات غير مطلوبة، وفي حال الرفض أو المناقشة يتم تعطيل الملف والمعاملة بحجة تعطل النظام!

قطاع الأعمال في السعودية مقبل على مرحلة شاقة من حيث زيادة الرسوم الحكومية في الخدمات والإجراءات، وفرض الكثير من الرسوم وهذا ما يتطلب المرونة والسهولة وتخفيف الإجراء، وتكاتف الجهود بين المؤسسات المعنية، بحيث تكون مرنة وليست معقدة، هناك مؤسسات حكومية تعيش على مبالغ الرسوم التي يدفعها قطاع الإعمال، مثل الغرف التجارية، وزارة العمل، والمديرية العامة للجوازات، والتأمينات الاجتماعية، فضلاً على جهات حكومية تحتاج إلى تراخيص خاصة لبعض الأنشطة، وهذا صداع آخر.

للأسف الشديد كل جهة حكومية تعمل بمفردها وتريد أن تستفرد برجل الأعمال لوحدها وتستحوذ منه على كل الرسوم وبأي طريقة، حتى لا تترك فرصة لجهة حكومية أخرى تستحصل الرسوم، لا يمكن ونحن ننطلق إلى عام 2030 أن يبقى رواد الأعمال بهذه الحال المرثية، يحتاج إلى من ينظر إليه على أنه صانع فرص عمل، وليس بقرة حلوباً، تهجم عليه كل الجهات، لا تترك فيه أي فرصة ليقف على قدميه!

قطاع الأعمال بشكله الحالي وما يواجهه من مصاعب ومتاعب وإجراءات ما أنزل الله بها من سلطان، ليس بيئة أو مناخاً أو محفزاً لرواد الأعمال، وربما تكون بيئة طاردة وغير جاذبة تستغلها دول أخرى، وقد يقول البعض إن المجالات هنا أفضل، فأقول إن المنافسة مفتوحة، ومعظم الدول أصبحت تتسابق لاستقطاب رؤوس الأموال، ليس فقط المحلية إنما حتى الاستثمارات الأجنبية، فبالله عليكم نحن غير قادرين على الحفاظ على المؤسسات المحلية فكيف نفتح «أذرعنا» لاستقبال الاستثمارات الأجنبية وهي التي تحدثنا عنها في رؤية 2030؟

نقلا عن الحياة