الثوره الصناعيه القادمه

18/07/2017 1
عبدالرحمن عبدالعزيز السالم

يقول المفكر الامريكي جريمي ريفكن أن الثورات الاقتصادية الكبيره تحدث عندما تلتقي ثورات التواصل الجديده مع التغيرات في أنظمة الطاقه والنقل. حيث تقوم تقنيات التواصل بادارة التعقيدات الاضافيه وتوسع الانشطه الاقتصاديه الناشئه من تنوع مصادر الطاقه. 

عرف العالم ذلك في الثوره الصناعيه الاولى في القرن التاسع عشر و كانت ابرز سماتها هي الجزء المعلوماتي المتمثل في المطبعه العامله على البخار والبرقيه والتعليم الحكومي، وجزء الطاقه والمتمثل في الفحم وجزء النقل والمتمثل في القطارات البخاريه.

في القرن العشرين، بدأت الثوره الصناعيه الثانيه وتطورالجزء المعلوماتي الى التلفون ومن ثم الراديو والتلفريون، وبدأ العالم في استخدام النفط وشبكات الكهرباء، كما تم اختراع محرك الاحتراق الداخلي و الذي ساعد كثيرا في صناعة السيارات، وتم بناء الطرق السريعه.

وقد دأب الاقتصاديون على قياس الانتاجيه والنمو الاقتصادي وفقا للاستثمار في الالات والعاملين، حيث الاعتقاد أن الاستثمار في احدث الالات والعاملين المدربين هما أهم عوامل الانتاجيه والنمو، الى أن قام الاقتصادي الامريكي د. روبرت سولو في منتصف الخمسينات باختبار هذا الاعتقاد، حيث جمع و حلل بيانات الاقتصاد الامريكي من عام 1909 الى 1957 م وتبين له أن الاستثمار المتواصل في الالات والبنايات ليس مصدر النمو على المدى الطويل، حيث أنه شكل أقل من 13% ، ووجد أن العامل الاكثر تأثيراً هو ما أسماه التغير التقني والذي يشمل العاملين المدربين، ويشكل حوالي 87%.

وللتوضيح وكمثال، لو أن عاملا كان لديه آله يعمل عليها بكفاءه وأضفنا له عدد من الالات لغرض زيادة الانتاج، فسوف يصل الى مرحله لا يستطيع فيها التعامل بفعاليه مع كل هذه الالات، مما سيؤثر سلباً على الانتاج والاستثمار حتى يصل الامر الى مرحلة العوائد المتناقصه DIMISHING-RETURNS   

وجد د. سولو أن التغير التقني هو مامكن زيادة انتاجية الفرد العامل وقدرته على التعامل مع عدد من الالات والمهمات. والتغيىر التقني يشمل التعليم والتدريب و الافكار والاختراعات والاستخدام الامثل للطاقه. ومن أمثلة التغير التقني الذي زاد الانتاجيه في الثوره الصناعيه الثانيه هو خط الانتاج الذي ابتكره هنري فورد.

واستطاع د. سولو أن يطور نموذجا رياضيا لهذا الاستنتاج وماصار يعرف بنموذج سولو للنمو، وعمل العديد من المختصين على هذا النموذج منذ 1957 الى اليوم بهدف تطبيقه وتطويره، وفي عام 1987 م مُنح د. سولو جائزة نوبل للاقتصاد عن عمله في هذا المجال. 

ووجد الباحثون لاحقا أن أكبر مكون في التغير التقني كان الزياده المطرده في ما يعرف بالكفاءه المتراكمه لاستخدام الطاقه، وخلال الخمس وعشرون سنه الماضيه، قام عدد من المحللين بما فيهم الفيزيائي راينر كومل من جامعة ورزبرق في ألمانيا وعالم الاقتصاد روبرت آيرز من معهد انسياد في فرنسا، بتتبع النمو الاقتصادي في عدد من الدول الصناعيه وتحليل تأثير كل من الاستثمار في الالات، أداء العاملين وكفاءة استخدام الطاقه. ووجدوا أن العامل الاكبر تأثيراً هو زيادة الكفاءه المتراكمه في استخدام الطاقه.

والمقصود بالكفاءه المتراكمه لاستخدام الطاقه هو كفاءة استخدام الطاقه (الكفاءه في تحويل الطاقه الى جهد مفيد) في كل عمليات الاقتصاد الصناعي من استخراج المواد الخام الى نقلها الى تصنيعها الى تخزينها ونقل المنتجات وبيعها وعودتها مرةً أخرى الى الطبيعه (كمثال، استخراج البوكسايت من المنجم ونقله الى مصنع الالومنيوم و تكسيره وطحنه ، ثم انتاج أكسيد الالومنيوم وبعد ذلك انتاج معدن الالومنيوم. ومن سبائك الالومنيوم الى صفائح الالومنيوم الى علب المرطبات الى مصانع المرطبات ومنه الى المخازن ثم الى الاسواق والمستهلكين، ومن ثم الى النفايات ثم اعادة تدويرها، حيث يتم في كل خطوه استهلاك للطاقه، والكفاءه المتراكمه هي كفاءة استهلاك الطاقه في كل هذه الخطوات. والكفاءه المتراكمه في أي اقتصاد تعني كفاءة استخدام الطاقه في كل الانشطه الاقتصاديه في البلد).  

ويقول جريمي ريفكن أن الكفاءه المتراكمه لاستخدام الطاقه ارتفعت في أمريكا من 3% في عام 1909 الى 14% في التسعينات. بينما وصلت في ألمانيا الى 18% وفي اليابان الى 20%. 

ويقول ريفكن أن هناك حد أقصى لهذه الكفاءه في مرحلة الثوره الصناعيه الثانيه وهو 20%، وذلك لأن العنصرالرئيس وهو محرك الاحتراق الداخلي تحكمه قوانين الديناميكا الحراريه والتي تُبقي الكفاءه المتراكمه في حدود 20%.

نعود الان الى الثوره الصناعيه الثالثه والتي يسميها البعض الرابعه، ولتفادي الخلط سنسميها الثوره الصناعيه القادمه. والتي بدأت منذ سنوات، حيث الجانب المعلوماتي يتمثل بالتقنية الرقميه والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وجزء الطاقه متثمل في الطاقه المتجدده بأنواعها وعلى رأسها الطاقه الشمسيه وطاقة الرياح وجانب النقل والمتمثل في السيارات الكهربائيه والنقل ذاتي الحركه. 

وحسب عدد من الباحثين سيكون من الممكن عن طريق الثوره الصناعيه القادمه زيادة الكفاءه المتراكمه لاستخدام الطاقه من 20 الى 40% خلال عقود. وذلك لاعتبارات عده منها أن الطاقه المتجدده ستكون رخيصه للغايه في المستقبل (ستكون أرخص أنواع الطاقه) و كذلك لان المحرك الكهربائي أكثر كفاءة بكثير من محرك الاحتراق الداخلي وأخيراً النقل الذاتي يحد كثيرا من التأخير وقلة استخدام وسائل النقل ويقلل من الحوادث. 

وماذا يعني ذلك للصناعه في المملكه؟ هناك عدة عناصر لفهم ما يدور ونتطلع الى خارطة طريق تأخذ هذه العناصر في الحسبان:

1.كما تبين فالتغير التقني كان أهم العوامل التي ساهمت في نمو الاقتصاد الامريكي، كما ساهم في نمو الدول الصناعيه الأخرى. مما يعني أن تطور الصناعه منوط بالتطور التقني في كافة جوانب الاقتصاد والذي يشمل التعليم والتدريب والبحث والتطوير والاستخدام الامثل للطاقه. ويصعب على أية صناعه أن تعيش في جزيره معزوله عن مكونات التطور التقني.

2.لا يزال تطوير و امتلاك التقنيات بعيدا عن ممارساتنا، ومازالت الشركات (الحكوميه وغير الحكوميه) ترتاح الى ترخيص التقنيات من الشركات العالميه واقامة مشاريع تصنيع مبنيه على هذه التقنيات، وقد يكون ذلك مقبولا في البدايه ولكن لا بد من تطوير وامتلاك التقنيات فهي السبيل الى التطور والاستقلاليه. وبدونها يصعب استدامة الصناعه وتطورها وتنافسيتها.

3.الثوره الصناعيه القادمه ستوفر الطاقه الرخيصه والكفاءه العاليه في استخدام الطاقه، والتي ستسفيد منها الصناعه في الدول المتقدمه وستزيد من تنافسيتها، وذلك على حساب الدول التي ستستمر على نظام الثوره الصناعيه الثانيه.

4.مع ضعف التطور التقني والتأخر في مواكبة الثوره الصناعيه القادمه، ستكون الصناعه في الدول النامية ومنها المملكه في وضع صعب، وقد لا تستطيع الاستمرار.

ولا شك أن الصناعه في المملكه لديها العديد من التحديات الا أن هذه التحديات ستبدو صغيره مقارنة بضعف التقدم التقني و بعدم مواكبة الثوره الصناعيه القادمه.

خاص_الفابيتا