مصداقية أرقام الاحتياطي النفطي تستند على المعايير – الشركات الأمريكية (1 – 2)

05/07/2017 2
م. ماجد عايد السويلم

تحدثت بإسهاب في مقالي السابق "عند حساب الاحتياطي: لا تكشف كل أوراقك!" عن عملية إفصاح الشركات عن احتياطياتها النفطية وتحدثت عن الأسباب التي تدفع بعضها لتضخيم احتياطياتها أو التحفظ في إعلانها، وسأتطرق هنا إلى تبعات الالتزام بالمعايير والتي تستند عليها الشركات والدول في تقييم الاحتياطي النفطي بشقيها الإيجابي والسلبي.

قبل أن أتحدث عن المعايير الحسابية سأتحدث عن الاحتياطي النفطي الذي أشكل فهمه لدى الكثيرين. هنالك شبه إجماع في الصناعة النفطية على أن الاحتياطي هو كمية النفط "التقديرية" التي يمكن استخراجها من باطن الأرض خلال فترة زمنية متفق عليها وبدرجة ثقة معينة يتم تحديدها من خلال إجراء حسابات هندسية وجيولوجية مفصلة وباستخدام تقنيات معتمدة.

الاحتياطي النفطي قد يزيد بفعل عوامل أهمها استكشاف حقول نفطية جديدة أو عند استحواذ شركة نفطية على أخرى بما فيها الأصول النفطية للأخيرة كما حصل حينما استحوذت شركة شل الهولندية على شركة الغاز البريطانية في أوائل العام الماضي أو بتطبيق تقنيات متطورة كتقنية الحقن بالبخار التي تطبقها شركة شيفرون في حقل الوفرة في المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت أو بسبب عومل أخرى كارتفاع أسعار البيع وانخفاض التكلفة كما حدث مع ثورة النفط الصخري في أمريكا.

كما يتناقص الاحتياطي النفطي بشكل طبيعي مع الزمن بفعل الإنتاج من الحقول أو ببيع الامتيازات أو الحقول النفطية المملوكة لشركة إلى أخرى وهذا شائع في أمريكا وكندا أو بانتهاء فترة التعاقد بين طرفي العقد (المالك والشركة المطورة للحقول النفطية) كما حدث مع شركة ميرسك الدنماركية المطورة لحقل الشاهين في قطر حيث لم تجدد الحكومة القطرية عقد امتياز الشركة والذي سينتهي في يوليو 2017 وبه تنتهي أي أحقية مستقبلية في الاحتياطي النفطي لهذا الحقل وتسبب خسائر مادية للشركة وانهيار أسعارها في البورصة.

ما هي المعايير التي تستند إليها الشركات والدول في تقييم وحساب الاحتياطي النفطي بشكل دوري؟ هنالك 8 معايير عالمية تستند عليها الدول والشركات في حساب وتصنيف الاحتياطي النفطي. هذه المعايير تحكمها قوانين محلية أو إقليمية والتي بدورها تحدد كيف يتم احتساب الاحتياطي النفطي وتصنيفه. المعيار الوحيد الذي لا يخضع لقوانين محلية أو إقليمية هو "نظام إدارة الموارد البترولية" (Petroleum Resources Management System) والذي أسسته جمعية مهندسي البترول ويجري تطبيقه على نطاق واسع حول العالم عدا الولايات المتحدة الأمريكية.

في أمريكا، تلتزم الشركات النفطية المدرجة في بورصة نيويورك، حتى الغير أمريكية، بمعيار وأنظمة اللجنة الأمريكية للأوراق المالية والبورصات (US Securities & Exchange Commission) أحد أكثر المعايير الحسابية صرامة في تقييم وتصنيف الاحتياطي النفطي.

ترجع صرامة تطبيق أنظمة اللجنة الأمريكية إلى حادثة إفلاس شركة إنرون الأمريكية للطاقة في 2001 بعد تزوير قوائمها المالية. بعد هذه الحادثة، فرضت اللجنة في 2002 رقابة صارمة على الشركات وخصوصا النفطية واستحدثت وفرضت عليها أنظمة صارمة لتقييم الاحتياطي النفطي.

بناء على معايير اللجنة، تلتزم الشركات النفطية بالإفصاح سنويا عن أرقام احتياطياتها "المؤكدة" (أي الذي يمكن استخراجه بنسبة ضمان تتجاوز الـ 90٪).  بالنسبة للاحتياطي الغير المؤكد، فالشركات النفطية غير ملزمة بالإعلان عنها والأغلبية العظمى لا تفصح عنها لأسباب تطرقت إليها في مقالي السابق.

تأثرت معظم الشركات بسبب تطبيق المعايير، ففي الفترة ما بين 2003 إلى 2009، قامت الشركات النفطية بخفض احتياطيها بمقدار 9.3 بليون برميل مكافئ بعد تطبيق معايير اللجنة عدا عن العديد من الدعاوى القضائية والتحقيقات التي أجرتها وما زالت تجريها اللجنة بين الفينة والأخرى.

في أواخر 2015، أدى انهيار أسعار النفط إلى خفض الاحتياطيات النفطية لـ 68 شركة نفطية مدرجة في بورصة نيويورك بمقدار 8.2 بليون برميل في نهاية عام 2016 مقارنة بنفس الفترة في عام 2015 بحسب تقرير نشرته صحيفة Business Insider في 14 يونيو 2017. كان لشركة اكسون موبيل نصيب الأسد من الخفض حيث قامت بحذف 3.3 بليون برميل من احتياطياتها من حقول النفط الرملي في كندا. الأسباب الرئيسية التي دفعت بالعديد من الشركات إلى خفض احتياطياتها النفطية هو انعدام الجدوى الاقتصادية لكثير من المشاريع النفطية وتناقص وتيرة الاستكشافات النفطية بسبب خفض الميزانيات.

معظم الشركات النفطية تضررت والعديد منها أعلن عن أرباح ربع سنوية سلبية وبعضها أفلس كشركة ألترا بتروليوم (Ultra Petroleum) مؤخرًا. أدى تطبيق المعايير الرقابية إلى خفض الاحتياطي لدى العديد لكنه ساهم في تعزيز مصداقية هذه الشركات لدى الرأي العام وحماية المستثمرين وهذان العاملان في وجهة نظري أهم من ضخامة الاحتياطيات النفطية لدى الشركات.

أما على نطاق دول أوبك فحتى هذه اللحظة لم تتفق الدول الأعضاء على معايير موحدة أو واضحة في عملية حساب الاحتياطي النفطي بل الأمر متروك لكل دولة كشأن سيادي لا يمكن المساس به، وهذا ما سأتطرق إليه في مقالي القادم.

خاص_الفابيتا