قمة مصيرية لمجموعة العشرين بألمانيا

21/06/2017 1
محمد العنقري

تعقد الشهر القادم قمة مجموعة العشرين للدول الأكبر اقتصادياً عالمياً وتكتسب هذه القمة أهمية كبرى في مسيرة عمل المجموعة منذ انطلاقها باجتماعات سنوية على مستوى القادة فهي تأتي في ظل ظروف اقتصادية وسياسية معقدة تحمل مخاطر مستقبلية بعودة شبح الأزمات المالية والاقتصادية السابقة التي ما زال الاقتصاد العالمي يعاني من آثارها رغم إنفاق أكثر من خمسة تريليونات دولار من قبل دول المجموعة للخروج من الأزمة منذ قمة واشنطن العام 2008م.

فالقمة الحالية رغم أن على جدول أعمالها مواضيع لا تبدو أنها تشكل توغلاً بالخلافات العميقة بين بعض دول المجموعة إلا أنها تعد بمثابة اختبار للنوايا حول مواضيع اقتصادية حساسة كالحمائية التي تمارسها بعض دول المجموعة ذات الثقل الاقتصادي الكبير أو اتفاقية باريس للمناخ التي أعلن الرئيس الأمريكي انسحاب بلاده منها ويطفو على السطح المخاوف من أزمة ديون محتملة في الصين والشكوك بقدرتها على تحقيق معدلات نمو تفوق 7 ‎%‎ إضافة لحالة عدم اليقين بأن تخرج دول أوروبا من حالة التباطؤ الاقتصادي الكبير الذي لم تعرف سبيلاً للخروج منه إلى الآن منذ الأزمة المالية العالمية 2008 بالإضافة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي بدأ عمليًا مع الحكومة البريطانية الجديدة إضافة للأزمات السياسة الدولية وتحديات مكافحة الإرهاب ذات التأثير السلبي على الاقتصاد العالمي

فالقمة تطرح مواضيع في قضايا الصحة العامة والتعاون بمجال التقنية والتمكين الاقتصادي للمرأة وكذلك في النمو المستدام وقضايا المناخ مع طرح فكرة إنشاء « حلف من أجل إفريقيا» لكنها مواضيع لا يمكن أن تكون هي الثقل الحقيقي الذي تركز عليه المجموعة نظراً للتعاون القائم في أغلبها على مستوى المجموعة أو العلاقات الثنائية بين الدول باستثناء قضيتي النمو الاقتصادي والمناخ اللتين تشكلان معضلة أمام القمة وتبدو الصعوبات كبيرة بالتوافق على الخطط التي توصل لأفضل النتائج المرجوة من غالبية الدول لأن الصعوبة تكمن في التغير الكبير بالموقف الأمريكي اتجاه هذه الملفات.

فأميركا تريد أن تعيد الوهج لقطاعها الصناعي وطلبت الإدارة الأمريكية رسميا من شركات أمريكية أو أجنبية يعد السوق الأمريكي الأكبر بالنسبة لها أن تعود لافتتاح مصانع لها في أميركا فتركيز حكومة الرئيس الأميركي ينصب على زيادة ضخ الاستثمارات وتوليد فرص العمل باقتصاد بلاده الذي يراه البعض ضغطاً كبيراً على دول كالصين مثلا تستقبل مصانع أمريكية تنتج لتصدر جل إنتاجها للسوق الأمريكي بالإضافة لقضايا الحمائية التي تظهر بين الدول الكبرى من المجموعة من فترة لأخرى في صناعات الحديد والصلب وبعض السلع الزراعية وغيرها مما يؤثر على نمو التجارة العالمية وله انعكاسات سلبية أيضا على الوضع الاقتصادي بالكثير من دول العالم الثالث والفقيرة على وجه التحديد.

فمن الصعب إيجاد توافق على حل قضايا تعيق تحقيق نمو اقتصادي إضافي كما كان مستهدفاً من القمة حتى العام 2018 م في ظل العديد من التغيرات سواء بالسياسة الاقتصادية لأميركا وأيضا وعودة الفيدرالي الأمريكي لرفع أسعار الفائدة وتحركات الدولار التي قد تؤثر سلبا على نمو دول أعضاء بالمجموعة إذ إنها تعاكس حاجتها لدولار مستقر حيث انخفضت عملاتها بنسب عالية أمام الدولار وتحاول مكافحة التضخم دون حلول ناجعة إضافة للمخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وسلامة وضعها الائتماني حيث يبلغ حجم ديونها 25 تريليون دولار بما يعادل 230 ‎%‎ من ناتجها المحلي بينما يراوح الدين الأمريكي حول 100 ‎%‎ من ناتجها الإجمالي البالغ 19 تريليون دولار أما الديون العالمية بحسب صندوق النقد الدولي فتبلغ 152 تريليون دولار إحصاءات العام 2016م ويعادل 225 ‎%‎ من حجم الناتج الإجمالي العالمي، أما ديون الحكومات عالمياً فتبلغ 52 تريليون دولار مما يعني صعوبة قدرتها على مواجهة الأزمات لو عادت فهذه الأرقام المرعبة من الديون ستظهر كوارثها الكبرى في حال فشلت الخطط والجهود التي تبذلها المجموعة منذ سنوات لعودة النمو الذاتي القوي للاقتصاد العالمي دون تدخل الحكومات ويبدو أن الجميع من تلك الدول الكبرى باقتصادياتها وحجم مديونياتها يغمض عينيه عن هذه الأرقام وما زالوا يحاولون علاجها بتجارة الدين نفسه بإصدار سندات وأذونات خزينة وبيعها وتسديد فوائد الديون وليس أصل الدين إلا أن ذلك لا يبدو أكثر من الهروب للأمام.

قمة العشرين تجتمع على وقع ضربات قلب الاقتصاد العالمي الضعيف الذي يعمل بالمحفزات وجسد واهن يعيش على المكملات الغذائية من حقن مالي بإصدار ديون بأرقام ضخمة مع تباطؤ بالنمو بالإنتاج العالمي قياسا بما يضخ من أموال التي يذهب جلها للمضاربات بالأسواق بينما يتقلص نمو الوظائف إجمالاً وتبدو ملامح الأزمات المالية والاقتصادية أكثر وضوحاً من السابق رغم أنها ما زالت احتمالاتها دون نسبة 50 ‎%‎ لكن سياق ومسار الأحداث العالمية سياسياً واقتصادياً لا يشير إلى إمكانية التخلص من المخاوف بسهولة مع تباين كبير بالآراء والسياسات والتوجهات من كبار الاقتصاد العالمي.

نقلا عن الجزيرة