آفاق واعدة لسياحة المشي في الطبيعة

05/06/2017 2
م. ماجد عايد السويلم

المشي في الطبيعة بشقيه، وهما المشي لمسافات قصيرة (Hiking) أو لأيام (Trekking)، هو آخر صيحات السياحة التي تلاقي رواجاً كبيراً في المملكة لدى محبي المغامرة والتحدي لما لها من فوائد لا تحصى على الصحة العامة وصفاء الذهن أو لدى شريحة تبحث عن الهدوء والسكينة بعيداً عن ضوضاء المدن ومتطلبات الحياة التي لا تنتهي.

يظن الكثيرون أن هذه الأنماط السياحية مستحدثة ولكنها في الواقع عكس ذلك، فأجدادنا كانوا يمارسون المشي في حياتهم اليومية "Hiking" بين المزارع أو للرعي كما كانوا يمشون "Trekking" لأيام أو يسافرون لأشهر على الأقدام أو على الدواب طلباً للرزق أو لغير ذلك من الأهداف. ومع التطور العمراني والتوسع في استخدام المواصلات الحديثة منذ بدايات القرن الماضي أوشك المشي في الطبيعة أن يندثر لولا بعض الجهود المحلية المتفرقة والمتواضعة من أفراد أو مؤسسات أعادت إحياءه بطابع عصري يتلاءم مع طبيعة المكان والظروف الجوية في المملكة.

فإلى عهد قريب كنت كغيري أظن أن بلادي تملك مقومات سياحية بيئية وطبيعية محدودة وأن المشي في الطبيعة مقصور على المنتزهات في الخارج بسبب قلة المعلومات عن الأماكن السياحية الطبيعية وافتقارها الى مسارات سياحية (Trails) مخططة ومجهزة كأماكن للتخييم والاستراحة وبسبب ارتفاع درجات الحرارة طوال العام في العديد من المناطق. كل ما سبق ذكره يجعل من ممارسة هذه الأنماط صعباً لدى محبي المشي في الطبيعة، ولكن بعد مشاركتي مع مجموعات ومنظمين محليين تسلقنا فيها العديد من الجبال ومشينا في أودية وشعاب تغيرت نظرتي كلياً وأدركت أن بالإمكان مزاولة هذه النشاطات طوال السنة بعد أخذ الاحتياطات اللازمة، والافتقار الى المسارات يمكن تعويضه باستحداث مسارات أو احياء طرق تاريخية كانت تستخدم بالسابق للتجارة كطريق القدية أو للتنقل بين القرى الجبلية في جنوب البلاد والتي تعرف باسم العقبات.

فمن كان يعلم أن أطول صدع صخري في العالم العربي هو في السعودية وتحديداً في جازان ويعرف باسم وادي لجب والذي يضاهي بجماله الجراند كانيون (Grand Canyon) في أريزونا بأمريكا، حيث يمشي السائح بين تكوينات صخرية فريدة من نوعها تجري فيها الأنهار ومن حوله حدائق معلقة على ارتفاع 50 متر. ومن كان يتصور وجود بقايا لقبور ومعابد عمرها يتجاوز الـ 2000 سنة في العديد من قمم الجبال في الدوادمي كجبل جبلة والتي لا يمكن الوصول إليها إلا بالتسلق. هل يعلم القارئ أن ثاني أكبر فوهة بركانية في العالم العربي هي مقلع طمية ويصل قطرها إلى 1 كم وهي وجهة سياحية للمشي وللتخييم لدى العديد من الجاليات الغربية خصوصاً المقيمين منهم في المنطقة الغربية من المملكة.

حتى عهد قريب، كان وما يزال السائح والمُقيمون الأجانب هم الأكثر ممارسة للمشي في الطبيعة بل إن بعض المعالم السياحية كمطل حافة العالم "Edge of the World" في جبال طويق يرجع الفضل في تسميته إلى Ionis Thompson التي وصفت هذا المعلم وكيفية الوصول إليه في كتابها "Desert Treks from Riyadh"، وهو أحد أقدم وأعرق الكتب عن سياحة المغامرات الاستكشافية في المملكة.

ومع هذا يظل الاقبال ضعيف نسبياً على المشي في الطبيعي وإن كان في ازدياد بسبب الصورة النمطية التي تحدثت عنها سابقاً. في لقائه الأخير عن رؤية المملكة 2030 بما فيها قطاع الترفيه، تحدث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان عن التحديات التي تواجهها الدولة لجذب السائح السعودي نحو السياحة الداخلية وخفض الانفاق المالي الذي تجاوز الـ 22 مليار دولار سنوياً على السياحة الخارجية. تظل المساعي الحكومية والجهود المبذولة كهيئة الترفيه والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني طموحة ولكنها غير كافية لمواكبة الطلب المحلي أو استهداف السائح الأجنبي بما فيها سياحة المشي في الطبيعة التي لا تتطلب الكثير عدا عن تأهيل للمسارات السياحية وتجهيزها بمراكز إيواء واستراحات. في المقابل، توفير البنية التحتية وبناء مثل هذه المرافق يقابلها برامج متنوعة وفعاليات هي أيضاً من مسؤولية القطاع الخاص والشباب السعودي.

مساهمة القطاع الخاص هي الأبرز حتى الآن ولكنها تظل محدودة حيث أن عدد الشركات المتخصصة في مجال المشي في الطبيعة والمغامرات بالكاد يتجاوز عدد أصابع اليد من أصل 203 شركة سياحية مرخصة في المملكة ومساهمة الأفراد خصوصاً الشباب هي الأقل نسبياً حيث لا توجد أندية متخصصة في المشي في الطبيعة ومعتمدة رسمياً من الهيئة العامة للشباب والرياضة.

في رأيي الشخصي، تمكين الشباب من تأسيس أندية محلية رسمية سيساهم بشكل كبير في نشر هذه الثقافة على نطاق واسع كما هو معمول به في العديد من الدول. في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، هنالك ما يزيد عن 23 نادياً وجميعها لها أفرع على مستوى الولاية أو المدن أو المنتزهات الوطنية، فبالإضافة إلى نشر ثقافة المشي في الطبيعة، تقوم العديد منها بتأهيل مرشدين سياحيين بيئيين واكتشاف وتأهيل مسارات في المنتزهات بالتعاون مع الجهات الحكومية.

للأسف هذه الحلقة مفقودة وتفعيلها مهم، فالتكامل بين القطاعين الحكومي والخاص والشباب سيساهم بشكل كبير في الارتقاء بصناعة الترفيه بما فيها تلك التي تتعلق بسياحة المشي في الطبيعة والتوعية بالمعالم السياحية حول المملكة، وبدون هذا التكامل ستظل الجهود مبعثرة والأهداف المنشودة بعيدة المنال.

خاص_الفابيتا