تحركات الأسعار لا تعكس الأساسيات القوية لأسواق النفط!

18/05/2017 2
د. فيصل الفايق

من المستغرب حقا أن قرابة 96 مليون برميل يوميا من الإمدادات النفطية العالمية تتحرك أسعارها بتركيز أسبوعي بشكل مفرط على اتجاه واحد فقط، يركز على مستويات المخزونات الأمريكية وإمدادات النفط الصخري وهو ما يمثل نحو %5 فقط من الإمدادات العالمية للنفط، في حين يجب ان تركز السوق على كيفية تطور الأساسيات القوية للأسواق التي تظهر انكماشا تدريجيا واضحا لمخزونات النفط العالمية مع تداولات قوية في للنفط في أسواق النفط المادية Physical Markets، هذا ولاتزال وسائل الإعلام تبالغ في الترويج عن تخمة المخزونات مما تسبب بأن تتحرك الأسعار في نطاق ضيق جدا بين 50 دولار كحد ادنى و 56 دولار كحد اعلى منذ بداية هذا العام، مما أفقد الثقة في إعادة التوازن النفطي بالرغم من نجاح اتفاقية خفض الإنتاج بامتثالات عالية في النصف الأول من هذا العام.

وليت الأمر توقف عند هذا الحد بل وحتى تحركات أسعار النفط مؤخرا في ذلك النطاق الضيق جاءت بكيفية تتعارض مع أساسيات النفط القوية والبيانات الاقتصادية الأمريكية الإيجابية، ونمو الطلب العالمي على النفط، وبيانات النمو الاقتصادي على مدار العام، هذا بالإضافة إلى ارتفاع الطاقات الاستيعابية لمعامل التكرير والطلب المستقر على المشتقات، مما يدل على أن الاقتصاد الأمريكي والعالمي في تحسن، وهنا يفرض الواقع تساؤلا هو: لماذا لا ينعكس هذا التحسن، وأساسيات أسواق النفط القوية تلك على أسعار النفط؟!

ولمحاولة فهم أدق أقول: بأن السوق مشغولة بالبيانات الأمريكية في دفع السرد الهبوطي على المدى القصير، وتحرك أسعار النفط في نطاق ضيق جدا مع تقليل التقدم التصاعدي الذي يحدث في الخارج حيث البيانات أقل وضوحا وأقل فعالية في تأثيرها على المدى القصير في السوق. ولذلك نجد أن مستوى أسعار النفط الحالية يعتبر منخفضا بالرغم من نجاح اتفاقية خفض الإنتاج بمستوى امتثال عالي ساهم في امتصاص والقضاء على تخمة المخزونات النفطية، بل وحتى في امتصاص مخزونات المنتجات المكررة في آسيا وأوروبا وتفريغ جميع الناقلات العائمة.

هناك كثير من التشاؤم -الذي أستطيع أن أجزم أنه في غير محله- حول جهود منظمة أوبك في مساعيها لتحقيق التوازن في أسواق النفط، حيث نسمع عن الكثير من القراءات الخاطئة لتخفيض الإنتاج، وافتراض تهديد المنتجين بأن الحصص التي سوف يتم تخفيضها من إنتاجهم، يتوقع أن تكون من نصيب النفط الصخري -المنافس المزعج لهم- وهذا أمر غير صحيح بحسب تقديري لأن نمو الطلب العالمي على النفط سيستوعب أي زيادة قادمة في الإمدادات الذي سوف يواجه صعوبات في تلبية الطلب في المرحلة المقبلة، بعد تأجيل العديد من المشروعات نظرا لانخفاض الأسعار منذ منتصف 2014.

وبغض النظر على انتقاداتنا لتقارير وتوقعات منظمة أوبك والسياسة الإعلامية المتناقضة مع أهداف واستراتيجيات الدول الأعضاء، فإن دور منظمة أوبك الريادي في توازن أسواق النفط، وقدرتها المعهودة على إدارة هذه الأسواق بفعالية لتحقيق أعلى ضمان لمصالح المنتجين لا يختلف عليه اثنين، هذا الدور الهام بدأ بعض أصحاب الأهداف المشبوهة في محاولة تقزيمه من خلال الطيران بنشر النظرة المتشائمة في الأسواق والترويج لتحقيق تلك الغاية إلى الأفكار التالية:

*تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط لستة أشهر مقبلة سيؤدِّي إلى سحب فقط 50 مليون برميل من تخمة المخزونات النفطية، التي تصل إلى 276 مليون برميل بالسوق، وبالتالي خفض المخزون بأقل من ثلث الفائض فقط، إذا ما خفضت لمدة ستة أشهر فقط.

*ضعف فاعلية الاتفاق خلال النصف الأول من عام 2017 لتزامن التطبيق مع فترة من انخفاض الطلب، وزيادة إنتاج بعض الدول من خارج أوبك.

*فوضى مقبلة على أسواق النفط لمحدودية النجاح الذي حققته جهود خفض الإنتاج في السيطرة على أسعار النفط.

*محدودية نجاح خفض الإنتاج، وأنه لم يعد ملموساً على أرض الواقع بالرغم من أن من مستوى الامتثال كان عاليا. 

*تمديد الاتفاق ليس سوى مهدئ مؤقت سوف تزول آثاره كما زالت آثار التخفيض السابق.

*الموازنة الصعبة بين العمل على خفض الإنتاج لكبح جماح مخزونات النفط العالمية الزائدة في محاولة لدفع أسعار النفط إلى الارتفاع، وبين حماية حصص العملاء.

وسوف نفند تلك القراءات الخاطئة لديناميكية أسواق النفط ونكمل الحديث بمشيئة الله في مقال قادم ...

خاص_الفابيتا