الحوكمة جدار الحماية الأول ضد الفساد

08/05/2017 6
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح الحوكمة سواء على صعيد القطاع الخاص او على صعيد القطاع الحكومي كما أشار سمو ولي ولي العهد في أكثر من مناسبة وحديث وشدد على تطبيق الحوكمة على الأجهزة الحكومية كهدف من اهداف الرؤية، هذا يزيد وبلا شك من الاهتمام بالحوكمة كمفهوم وتطبيق وهو الذي بدأ حديثا ينتشر، لكن ماهي الحوكمة؟ لا يوجد تعريف علمي معتمد لها لكن نستطيع القول انها مجموعة من (النظم) التي تحكم العلاقة بين الأطراف الأساسية في أي منشأة (سواء مجلس الإدارة، الإدارة التنفيذية، الملاك او المساهمين، العملاء وغيرهم) وتهدف هذه النظم الي تحقيق الشفافية والعدالة والمساوة ومكافحة الفساد والمسؤولية والمسألة وبالتالي اذا تحققت هذه الأهداف سوف يتحقق الهدف الأكبر وهو الوصول الي الاهداف المرصودة من انشاء هذه المنشأة، لكن احد اهم المحاور او اهم هذه النظم هو النظام الذي يحكم العلاقة بين المساهمين (الملاك) وبين الإدارة التنفيذية (الوكيل) بسبب ان الإدارة التنفيذية او (حتى مجلس الإدارة) وهي المعنية بإدارة الشركة بشكل مباشر ويومي قد تحيد او تضع مصلحتها فوق مصلحة الشركة ولهذا تأتي أهمية الحوكمة لتتأكد ان "جميع الأطراف" يعمل لمصلحة المنشأة وليس لمصالحه الخاصة.

ان ظهور الحوكمة أتى بعد سلسة من الكوارث والأزمات في الاقتصاد العالمي وانهيارات في كبرى الشركات وكانت كثير منها بسبب غياب للحوكمة والشفافية والمسؤولية، بدايتها من نهايات القرن العشرين، ولعل من أشهر حوادث الفساد بسبب ضعف الحوكمة، فضيحة شركة انرون الامريكية وتواطئ مجلس الإدارة مع المدققين الخارجيين والتي نجمت عن أكبر حالات التلاعب في الأسواق المالية وبالنهاية انهيار وافلاس الشركة في بداية هذا القرن، ولعل الشواهد كثيرة وخصوصا لدينا في العالم العربي مع العلم ان الحوكمة بدأت تأخذ مجراها كتطبيق وان كان بشكل لا يرتقي الي افضل الممارسات دوليا فما زالت كثير من الممارسات تطبق وهي لا تصب في مصلحة الكيانات او الشركات لكن من المتوقع زيادة الحوكمة في السوق والشركات وزيادة الاهتمام بها والان بدأ الحديث عن الحوكمة في الأجهزة الحكومية.

من المهم فهم لماذا أصبح الان ضرورة تطبيق الحوكمة على القطاع الحكومي، ان مراجعة لبرامج الرؤية توضح أهمية تطبيق الحوكمة قبل البدء في بعض البرامج ولعل من أهمها الخصخصة، ان من شأن برنامج ضخم كالخصخصة (ويدر الكثير من العوائد ويمس حاجة الناس بشكل مباشر) ان يتم العمل على بناء اول لبنة في هرمه وهي لبنة الحوكمة قبل أي شيء اخر، والسبب في وضع الحوكمة كأول اجراء وتطبيق ان انتقال إدارة منشئات حكومية الي قطاع خاص قد يترافق معه ضياع لحقوق دولة او نشوء مراكز قوى وبالتالي بداية فساد فعليه يجب وضح الحوكمة أولا لتنظم جميع العلاقات بين جميع الأطراف ولتبين كيفية صناعة القرار وكيفية المسألة وتحديد المسؤوليات وبالنهاية وضع الشفافية في كل خطوة وامام كل طرف وهكذا تساهم الحوكمة (اذا طبقت بشكل صحيح) بمنع الفساد قبل ان يبدأ وتزيد الثقة بكيفية صنع القرارات وعليها تزيد من فرص نجاح برنامج الخصخصة وكل هذا تم ذكره في مقال سابق تم نشره في شهر يناير من هذه السنة بعنوان "الخصخصة سلاح ذو حدين".

يجب الإشارة الي ان هنالك نوعان من الحوكمة: حوكمة خارجية (البيئة المنظمة للأعمال) مثل الحوكمة المفروضة من قبل هيئة سوق المال وهذه تتكفل بها الجهات الرقابية من سن النظم والاشراف على تطبيق الجميع لها، وحوكمة داخلية وتفرضها نفس المنشأة كإجراءات حوكمة داخلية وهذه تختلف من شركة الي شركة حسب رغبة مجلس الإدارة والملاك في تشديد الإجراءات والرقابة وتشرف عليها إدارة متخصصة ترجع الي مجلس الإدارة وليس الي الإدارة التنفيذية.

في الختام، هنالك فوائد كثيرة لتطبيق الحوكمة للشركات منها: تشجيع المؤسسات على الاستخدام الأمثل لمواردها الاقتصادية، تساعد على تحقيق الاستدامة في النمو، تقلل الحوكمة من تكلفة الديون حيث تهتم البنوك بالشركات ذات التطبيق الأعلى في الحوكمة، تسهل الحوكمة من إجراءات الرقابة والاشراف، تزيد الحوكمة من جاذبية الاستثمار في الشركات التي تطبقها حيث يميل المستثمرون الي الاستثمار في الشركات ذات التطبيق الجيد للحوكمة وأخيرا تساعد الحوكمة على استقرار أسواق المال عبر تقليل مشاكل التلاعب والفساد في الشركات وبالتالي عدم حدوث مفاجآت كبيرة بسبب اكتشاف فساد في احدى شركات السوق.