وزارة الطاقة ... وأزمة التصريحات!

07/05/2017 4
د. فيصل الفايق

كتبت قبل عام أننا مع إقرار "رؤية 2030" في حاجة ملحة إلى إعلام نفطي مؤثر، قادر على العمل بمرونة واستباقية تمكنه من مواكبة هذه الخطوة الطموحة، وذكرت في ثنايا المقال أن سياسات الطاقة القوية والثابتة في المملكة يفترض أن تصاحبها أدوات إعلامية قوية أيضا، حتى لا تفهم هذه السياسة بشكل سلبي من قبل أسواق النفط.

ونظرا لمكانة المملكة المحورية ودورها الهام في توازن أسواق النفط، فمن  المتوقع أن تكون تصريحات مسؤولي النفط في وزارة الطاقة حكيمة ومتأنية، وقد تعودنا أن تكون التصريحات الإعلامية للمسئولين محسوبة، وفي توقيت مدروس ومن أشخاص محدودين، لكن ما رأيناه هذه المرة يختلف تماما عن كل ما هو متعارف عليه سابقا، حيث صرح مسئول في وزارة الطاقة السعودية لوسيلة إعلامية وبطريقة أقدر أنها غير مدروسة العواقب، حيث جاء تصريحه كردة فعل خاصة وخاطئة على التحرك الأخير الذي حصل في أسواق النفط. وهنا أنبه إلى أن العمل على اختيار وسيلة بذاتها (رويترز في الغالب) قد يكون له مفعول عكسي، حيث بدأت المصداقية من هذا الجانب تقل، والجميع يعلم عن مواقفهم ومقالاتهم السلبية!

بينما تسعى المملكة بقياداتها الحكيمة وسياساتها المتقنة ودورها الريادي في توازن اسواق النفط، يأتي تصريح غير مدروس مثل هذا كأسلوب خاطئ، لأن السوق النفطية أكبر وأعمق من أن تستجيب لعمل سطحي يعزز تخمة المعروض وإعادة التوازن إلى أسواق النفط بالرغم من أساسيات اسواق النفط المادية القوية Physical Market والتي لاتعكس التحرك في أسعار العقود الآجلة  Future Markets البته والتي تتأثر بقصص واهية وأرقام مخزونات مغلوطة. ومن المؤسف حقا أن يكون بطل هذا الدور السلبي مسؤول سعودي، حيث خرجت أول الأمر تصريحات من مصادر لم يتم تسميتها ثم أعقب هذه التصريحات بيوم تصريح لمصدر سعودي، وواقع الحال أنه ليس هو الأعلى في سلم هذا المجال، مما زاد الأمر تلبكا.

ومن الطبيعي أن هذه التصريحات فشلت في أن تدعم أسعار النفط والتي تراجعت الى أدنى مستوياتها منذ خمسة أشهر، مثل هذه التصريحات عززت المخاوف عن تخمة المعروض وعدم توازن اسواق النفط الذي يروج لها الإعلام النفطي الغربي المغرض ولا وجود لها اصلا، لأنها تلاشت مع النجاح في تطبيق اتفاقية خفض الإنتاج، جاء هذه التصريح بتعزيز وجود تخمة في المعروض متناقضا مع تصريحات سابقة لوزير الطاقة السعودي ورئيس أرامكو السعودية بشأن قرب أسواق النفط من التوازن.

اعضاء أوبك في موقف قوة واتفاق تاريخي مع الاعضاء خارجها، لذلك فان الخروج بهذا الشكل يبين أن المنتجين قلقين وانهم في موقف ضعف وليسوا متأكدين من نتيجة تخفيضاتهم. لأن لو كانت تخفيضاتهم ذات جدوى لما احتاجوا للجوء الى مثل هذه التصريحات، في وقت تتضارب فيه التصريحات حول اعتزام اوبك بتمديد اتفاق خفض الانتاج مما لن يساعد على تلمس مسار اسواق النفط.

مما سبق لم أعجب عندما خرجت "رويترز" بخبر يوم الخميس عن رغبة أوبك في تمديد الاتفاق، نقلاً عن مصادر ...... محاولة في أن يربط السوق هذا الخبر بالسعودية. ولكن السوق لم تستجيب لهذه المحاولة، وما تعجبت منه هو أن تخرج نفس الوكالة في اليوم التالي بتصريح لمسؤول في وزارة الطاقة السعودية يكرر الكلام نفسه، بدل ان يوضح ما يجري في الأسواق ليكون الجميع في حالة من الاطمئنان، وليس الترويج لتخمة المعروض وهي القصة المبتذلة التي سئمنا سماعها من الاعلام النفطي الغربي المغرض!

السعودية بلد نفطي عظيم واكبر مصدر للنفط في العالم، يترأس هذا العام منظمة أوبك ويجب أن يكون خروج مسئوليه مرتبط بالحديث عن اسواق النفط ومعنوياتها واساسياتها القوية حاليا، لأن خطورة هذا الأمر تكمن أنه في حالة تكرر خروج المسئولين السعوديين وسط عدم استجابة السوق لتصريحاتهم، فإن السوق سيفقد مصداقيتهم في مثل هذه التصريحات، وهذا سيفقد بالضرورة المسئولين السعوديين هيبتهم.

بالنظر لتسلسل ما حصل نجد أمرا مستغربا آخر، فبعد مؤتمر كامل عن الإعلام البترولي الخليجي في "أبوظبي" وبعد أحاديث طويلة عن أهمية الوضوح والرسالة الإعلامية الواضحة تخرج علينا وزارة الطاقة بأسلوب لا يتناسب مع هذه المرحلة ولا مع التوجه للشفافية التي نادى بها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان!! ولا بالمنهج الذي سلكه في ما يتعلق بأهم حدث ربما يمر على السعودية في هذه المرحلة، وهو العمل على تطبيق رؤيتها المباركة –بإذن الله- حيث ركز على العمل المنظم، وتابع كل ما يتم من خطوات لها صلة بهذه الرؤية بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وبعد عام كامل خرج سموه ليتحدث عن العمل والانجاز والطموح بطريقة أبهرت الجميع، تحدث بحديث صدق وعن وعي تام يدرك من خلاله أين بدأ العمل؟ وأين وصل اليوم؟ بوضوح يستشف من خلاله عظم النجاح القادم –بإذن الله-. لماذا لا يتعلم هؤلاء من أسلوب سموه، الذي كان محط أعجاب المشككين والمعارضين للرؤية قبل المؤيدين لها!

خاص_الفابيتا