تراوح سعر نفط «برنت» منذ مطلع السنة في النطاق المتوقع، أي بين 50 و55 دولاراً للبرميل، بسبب الاتفاق التاريخي لمنظمة «أوبك» وإحدى عشرة دولة منتجة من خارجها على خفض الإنتاج 1.8 مليون برميل يومياً خلال النصف الأول من العام الحالي. ولعب كل من السعودية وروسيا الدور الرئيس في إنجاح هذا الاتفاق، فقد كان الالتزام عالياً بالنسبة إلى تجارب خفض الإنتاج السابقة، بل توصل الخفض لدى أقطار المنظمة إلى أكثر من 100 في المئة، بسبب خفض السعودية إنتاجها أكثر مما التزمت به، والتزمت بقية الدول بنسب عالية من تعهداتها. وقد توازن العرض والطلب العالميان لأسباب عدة، منها الانخفاض غير المتوقع في بعض الحقول الكندية والبريطانية في بحر الشمال خلال هذه الفترة. والهدف الرئيس من عملية التخفيض هو تقليص المخزون القياسي للنفط الخام والمنتجات البترولية التي تضغط على الأسعار. وقد تم بالفعل تقليص المخزون.
تتوقع وكالة الطاقة العالمية توازن العرض والطلب في الأسواق خلال النصف الثاني من السنة، على رغم توقعها في الوقت ذاته زيادة الإمدادات من الأقطار غير الأعضاء في «أوبك». إذ تشير الوكالة في نشرتها الشهرية عن الأسواق إلى زيادة متوقعة لمعدلات الإنتاج من الدول غير الأعضاء الأخرى، على رغم احتمال موافقة الدول الإحدى عشرة غير الأعضاء في المنظمة على تمديد الخفض. وتلفت الوكالة في هذا الخصوص إلى أن المتوقع زيادة إنتاج الدول غير الأعضاء على مدى العام الحالي نحو 485 ألف برميل، وإلى أن المصدر الأهم لهذه الزيادة هو الولايات المتحدة، حيث وصل مجمل الإنتاج في آذار (مارس) نحو 9 ملايين برميل يومياً، مقارنة بنحو 8.6 مليون برميل يومياً في أيلول (سبتمبر) 2016.
وتتوقع الوكالة كذلك أن يرتفع الإنتاج الأميركي نحو 680 ألف برميل يومياً بحلول نهاية السنة، عن مستواه في نهاية 2016. وتشير إلى أن مصدر هذه الزيادات هو النفط الصخري. كما سيتأثر مستوى الأسعار، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، بانخفاض معدلات الزيادة في الطلب إلى نحو 1.1 مليون برميل يومياً، نتيجة لاحتمال انخفاضه في كل من روسيا والهند وبعض دول الشرق الأوسط وكوريا والولايات المتحدة. ويذكر أن معدلات الطلب بدأت بالانخفاض في بعض هذه الدول خلال الأشهر الماضية. ويتوقع استمرار انخفاض الطلب خلال النصف الثاني من السنة أيضاً، وأن يسجل معدل زيادة الطلب للعام الحالي نحو 1.3 مليون برميل يومياً.
أما بالنسبة إلى مستوى المخزون، فتشير الوكالة إلى أن مستوى المخزون وصل إلى حد كبير من التوازن، على رغم أن معدل المخزون في دول منظمة التعاون لا يزال أعلى بنحو 330 مليون برميل من معدل سنوات خمس لدول منظمة التعاون.
تشكل العوامل أعلاه مؤشرات عرض وطلب متباينة عن أوضاع الأسواق قبل حلول الصيف. وهذا أمر طبيعي. ويبقى العامل الأهم في التأثير على مستوى الأسعار خلال الصيف والنصف الثاني من السنة، قرار المجلس الوزاري للمنظمة في اجتماعه في 25 أيار (مايو)، الذي سيقرر إما تمديد الخفض للصيف أو لبقية هذا العام أو زيادة نسبته. ويتوقع أن تشارك الدول المنتجة الإحدى عشرة في قرار المنظمة. من ثم، من المحتمل الإبقاء على نسب الخفض. وفي حال تمديد فترته، فمن المتوقع استمرار استقرار الأسعار، لكن على نطاق جديد وأعلى خلال المرحلة المقبلة لتتراوح إما بين 55 و60 دولاراً للبرميل. ويتضح أن هذا هو الاتجاه الذي من الممكن أن تسلكه المنظمة والدول المنتجة الأخرى خلال الأشهر القليلة المقبلة. فهناك رغبة قوية تفرضها الضغوط المالية الداخلية على الدول المنتجة لتحسين مستوى الأسعار.
هناك عامل جديد على الساحة الدولية خلال المرحلة الحالية لا يمكن إهماله أو غض النظر عنه، هو احتمال تصعيد العمليات العسكرية، فقد قصفت واشنطن كلاً من سورية وأفغانستان لحد الآن. وهناك تصعيد علني في التهديدات الكلامية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. لكن لا شك في أن التصعيد الحربي مع كوريا الشمالية يختلف عنه مع سورية أو أفغانستان، فالأخطار هنا أوسع كثيراً، إذ إن الاحتمالات أكبر بالرد والرد بالمثل، أو استعمال اسلحة مدمرة من الجانبين، كما أن الحرب مع كوريا الشمالية قد تترك بصماتها على بعض أهم الأسواق المستهلكة للنفط القريبة منها. وقد بدأت التهديدات الكلامية تترك آثارها السلبية منذ الآن على بورصة طوكيو.
نقلا عن الحياة