لا تثق بالمؤشر العام لمنصات الحفر!

19/04/2017 5
م. ماجد عايد السويلم

منذ سنة 1944، تصدر شركة بيكرهيوز (Baker Hughes) المتخصصة في خدمات النفط تقارير أسبوعية عن عدد منصات الحفر (rig count) التي تقوم بحفر الآبار النفطية والغازية أمريكا الشمالية.  لقي هذا التقرير رواجاَ كبيراَ في وسائل الاعلام مؤخراً وخصوصاً بعد تولي ناثان ميهان (Nathen Meehan)، المستشار التنفيذي الأول لشركة بيكرهيوز آنذاك، رئاسة جمعية مهندسي البترول واستخدامه لزيادة عدد منصات الحفر في مقالاته ومحاضراته كمؤشر للدلالة على تعافي أسعار النفط بعد النكسة التي حلت بالصناعة النفطية. ومنذ ذلك الوقت، تزايد الاهتمام بهذا التقرير والمؤشر العام الذي يحتويه حيث تقوم وسائل الاعلام الأمريكية باعتماده كمؤشر قياس وربطه مع توجهات أسعار النفط بما فيها العرض والطلب.

يُعرف هذا المؤشر لدى العديد من المحللين بـ "المؤشر المضلل" لأنه قد أُفرِغ من محتواه الأساسي الذي صُمِّم له، فهو على الرغم من بساطته إلا أنه يُخفي الكثير من الحقائق التي يجهلها الكثيرون خارج الصناعة النفطية والتي سأتطرق إليها في هذا المقال.

السؤال الأهم: إن كان مضللاً فما الحاجة اليه؟ الجواب له علاقة بطبيعة النفس البشرية في فهم وتفسير الأحداث. فالمستثمر يحتاج الى ركيزة يبني عليها توجهات أسعار النفط ووسائل الإعلام لن تقوم بشرح حقيقة أن التغير في الأسعار (خصوصاً اللحظي منها) أساسه المضاربة بالأسعار بالإضافة الى العرض والطلب لما يترتب عليه من آثار سلبية بل يبحث عن " شمّاعة " يعلق عليها الأعذار ولا أبسط من شمّاعة مؤشر أعداد منصات الحفر العام والذي يصدر أسبوعيًا مما يُثري المحتوى الاقتصادي لبرامج وسائل الاعلام الأمريكية التي تخصص في تحليل أسعار السلع والنفط.

ونتيجة لهيمنة الماكينة الإعلامية الأمريكية فإن بعض الكتّاب المحليين للأسف يعتمد على هذا المؤشر في تحليل أسعار النفط العالمية وانعكاساته على الاقتصاد السعودي وهذا خطأ فادح. في مقالي هذا، سأشرح العوامل التي تجعل من هذا المؤشر غير جدير بالإشارة أو العمل به لوحده على شكل نقاط لا يشير إليها التقرير العام وسأتطرق إليها بالتفصيل فيما يلي:

1-نوع منصات الحفر المستخدمة: ليس بالضرورة أن تقوم المنصات بحفر آبار النفط كما يظن الكثيرون. بعض هذه المنصات متخصص في عمليات الصيانة دورية أو المفاجئة للآبار المحفورة والمنتجة بهدف تحفيز إنتاجيتها كاستبدال المضخات أو إصلاح أعطال أخرى.

2-نوع الآبار المحفورة: المنصات المتخصصة في عمليات الحفر لا تقوم بحفر آبار نفطية فقط. فالعديد من الشركات تقوم بحفر آبار استكشافية غير منتجة في مناطق نائية أو أخرى لضخ المياه أو الغاز في المكامن النفطية لزيادة ضغط المكامن على المدى البعيد. الأهم من هذا أن الآبار النفطية المحفورة ليست بالضرورة مُنتجة بل بعضها يبوء بالفشل والعديد منها يتطلب تقنيات متطورة لتحفيز انتاجيتها كعمليات الكسر الهيدروليكي والتي تستغرق بعض الوقت لإتمامها وحصد نتائجها.

3-فترة الحفر وعملية الربط (well tie-in): عملية حفر الآبار قد تستغرق شهوراً وتعتمد بشكل كبير على خصائص وعمق المكامن النفطية والتي قد تصل إلى أعماق تتراوح ما بين بضعة أمتار الى 6 كم تحت سطح البحر. كما أن عملية ربط الآبار بخط الأنابيب بعد استكمال الحفر لا تتم بسرعة كما يتصور البعض بل هي أيضاً قد تستغرق شهوراً.

4-نسبة الآبار المحفورة حديثاً لإجمالي الآبار المنتجة: قد يقول البعض أن ما ذكرت سابقاً هو نسبة ضئيلة وأن أغلبية منصات الحفر تحفر آبار نفطية جديدة وجميعها مُنتجة. دعوني أتناول التقرير الصادر بتاريخ 13 يناير من السنة الحالية والذي أشار إلى انخفاض المنصات من 529 الى 522 منصة في أسبوع واحد أي 7 منصات. لنفرض أن هذه المنصات قامت بحفر 7 آبار نفطية جديدة وتم ربطها بخط الأنابيب وجميعها منتجة، هل يظن القارئ أن هذه الآبار قادرة على احداث نقلة نوعية في انتاج النفط الأمريكي مما سيؤثر على أسعار النفط العالمية؟! ماذا إذا علم القارئ أن هذه السبع آبار الافتراضية هي نسبة ضئيلة من مجمل عدد الآبار في أمريكا والتي تجاوز عددها الـ 1.7 مليون بئر، فهل سيظل لدى القارئ نفس القناعات السابقة؟!

كل ما سبق لا يتم ذكره في تقرير بيكرهيوز العام ليس لتضليل الرأي وإنما لأن التقرير في الأساس لم يعد بهدف استخدامه كمؤشر للأسعار وإنما لمراقبة عدد منصات الحفر لاقتناص الفرص والترويج للمعدات والخدمات التي تقوم بها شركة بيكرهيوز.  الخلاصة: "لا تثقوا بهذا المؤشر في التحليل أو التوقعات التي تُبنى عليه خصوصاً على المدى القريب" فالعبرة في النهاية هي في كمية الإنتاج الفعلية وليست في عدد منصات الحفر.

خاص_الفابيتا