"المخزونات والصخري والإنتاج" ... المثلث الشمّاعة!

16/04/2017 0
د. فيصل الفايق

كتبت العام الماضي عن تكرار إخفاق الدراسات والتوقعات الغربية لأسواق النفط، والتي غلب عليها طابع التشاؤم - المقصود قطعا- لإبقاء أسعار النفط في مستويات منخفضة، ويتم الضغط من خلالها على أسواق النفط لاستمرار حالة من التوتر وعدم الاستقرار بالترويج لزوبعة من التوقعات للتضليل بأرقام لا تستند إلى واقع، وقد استفاد هذا التوجه من اعتماد بعض الدول لمنهج التعتيم، وأحيانا التضليل بمعلومات غير صحيحة.

وقبل أكثر من شهر تراجعت أسعار النفط بشكل حاد في أسبوع واحد عندما انخفض سعر خام برنت إلى قرابة 50 دولارا للبرميل بعد أن لامس 57 دولارا للبرميل في بداية شهر مارس الماضي، حدث هذا مع أن أساسيات السوق كانت، ولا زالت قوية مع التطورات في سوق النفط المادي، والتي كان من المفترض أن تساعد على إبقاء سعر برنت فوق 60 دولارا للبرميل على الأقل، فليس هناك مبرر واضح ولا توضيحات حول الأسباب المباشرة لهذا الهبوط في الأسعار بالرغم من الأساسيات الواضحة والقوية للأسواق في كل مكان ما عدا في أمريكا والتي تهيمن على وسائل الإعلام النفطي الغربي.

ومن العجب ان يصدر مؤخرا تقرير يروج بأن "المخزون والصخري والإنتاج" هو عبارة عن "مثلث خسائر النفط" ويعزو تراجع الأسعار في شهر مارس، إلى الشكوك حول قدرة أوبك على تحقيق تخفيض فعلي في المخزون النفطي، الذي لا يزال متضخما، خاصة مع ارتفاع المخزون النفطي الأمريكي لمستويات قياسية على مدار تسعة أسابيع متتالية، ويستند فيما ذهب إليه إلى العودة القوية لظهور النفط الصخري على الساحة، والذي يبدو محرجا لجهود أوبك في إدارة المخزون العالمي على حد زعمهم.

مثلث خسائر النفط هذا ماهو إلا مجرد زوبعة لتكوين المثلث الشماعة والذي تعلق عليه ذرائع خفض أسعار غير مبرر نناقشه كالتالي:

المخزونات:

لقد اثمرت تخفيضات إنتاج منظمة أوبك وخارجها على استنزاف مخزونات النفط بكل تأكيد، فنرى ناقلات النفط العملاقة العائمة قبالة سواحل إيران افرغت كلها ولذلك لم تستطيع إيران ان تزيد صادراتها النفطية منذ صيف 2016، يضاف إلى ذلك أيضا تلاشي مخزونات المشتقات النفطية العائمة في جنوب شرق آسيا وسنغافورة (مركز تجارة المشتقات النفطية في آسيا)، وكذلك التناقص في مخزونات مشتقات النفط في أوروبا واليابان، بل وحتى في أمريكا (أكبر مخزونات البنزين في العالم). وبالنسبة للمخزونات في الصين والهند ثاني وثالث أكبر مستهلكي النفط في العالم، فانه يصعب العثور على بيانات موثوقة، لأن إعادة التوازن متفاوتة بتحويل العبء من منطقة إلى أخرى في تلك المساحات الواسعة والديموغرافية المتشعبة. وهاهي أسواق النفط تعود للتوازن مع زوال تخمة المعروض، مما يؤكد أن الشكوك السابقة بإعادة التوازن في بداية العام لم تكن في محلها حتى مع المستويات القياسية المرتفعة التي وصلت إليها المخزونات الأمريكية ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

النفط الصخري:

كان من المفترض أن يكون هناك خفض في المخزونات، لا تستطيع الزيادة في النفط الصخري اللحاق بها حتى مع تواصل السعي في استمرار نمو الإنتاج مع الأسعار، وتشجيع زيادة أنشطة الحفر وعدد الحفارات التي مازالت تواجه معضلة مع ارتفاع تكاليف الخدمات. وفي حمى التكهنات أسند البعض جزافا هذا الأمر لما يذكر من أن الزيادة في النفط الصخري تضغط على الأسواق والتي تأثرت بدورها بزيادة قياسية في المخزونات الأمريكية بفعل تعزيز إنتاج النفط الصخري، وهذا خطأ فادح في تحليل أسواق النفط، لان الأمر وبكل بساطة، يرجع الى بعض مواسم صيانة مصافي التكرير مما أدى إلى طاقات استيعابية تكريرية أقل وفائض موسمي في المخزون، وعلى أية حال، فإن تأثير زيادة إنتاج النفط الصخري على فرض زيادته ستبقى محدودة، لأنه وكما نعلم جميعا، فإن معظم مصافي التكرير الأمريكية مصممة لتكرير النفط الخام المتوسط او الثقيل. وعلى العكس من ذلك، فإن النفط الصخري وهو الخام الخفيف وغير مرغوب فيه محليا، وبالتالي فإن مصافي التكرير تخلطه دائما مع النفط الخام الثقيل المستورد من الخليج العربي وأمريكيا الجنوبية، مما أدى إلى انخفاض حاد في واردات النفط الخفيف لامريكا من غرب أفريقيا وبحر الشمال، وهذا ما أخل بتوازن العرض والطلب سابقا. 

الانتاج:

خفض إنتاج أعضاء منظمة أوبك جاء أكثر مما تعهدوا به، وبالرغم من بيانات معلومات الطاقة الأمريكية والتي تظهر أن الإنتاج الأمريكي مستمر في الارتفاع، إلا ان هذه الزيادة لهذا العام في إنتاج النفط الأمريكي تظل متواضعه فقط بـ 230 الف برميل يوميا عن العام الماضي ليصل مجمل الانتاج إلى 9.21 مليون برميل يوميا نهاية هذا العام على أفضل تقدير، وتظل صادرات النفط الأمريكية محصورة فقط من النفط الصخري الخفيف الغير مرغوب محليا، ولذلك نلاحظ تواضع صادرات أمريكا من النفط الخام في عام 2016 والتي بلغ متوسطها 520 ألف برميل يوميا، مقارنة بـ 465 ألف برميل في عام 2015. أما واردات امريكا من النفط وصل متوسطها في عام 2016 إلى حوالي 8 مليون برميل يوميا.

ومع انتهاء الربع الاول من هذا العام، وصلت الطاقة التكريرية للمصافي الأمريكية الى أقصى طاقة تكريرية لها منذ 3 اشهر، وستزداد أكثر ونحن مقبلون على فصل الصيف مما سوف يستنزف مخزونات البنزين في امريكا. اما واردات النفط الأمريكية بلغت 7.97 مليون برميل يومياً في مارس و 8.17 مليون برميل يومياً متوسط الربع الأول من هذا العام، وهناك جزم على ان واردات النفط سوف تزيد في فصل الصيف مما سيعزز الطلب.

وبذلك فإنه لايوجد مثلث خسائر النفط كما يزعمون لأنه ومن الواضح تماما لأي متابع، وبغض النظر عن ما تحاول وسائل الإعلام الغربية الترويج له، أن السوق متأثر بالفعل بالبيانات الأمريكية، دون أي اعتبار للعوامل الأخرى، ودور هذه الوسائل هو الغمامة التي تحجب بها الحقيقة، وأقرب مثال هو إغفال هذه الوسائل للتوسع في التخزين العالمي للنفط والذي يتم وبشكل كبير، وذلك لدفع سرد أسباب اخرى لهبوط الأسعار، مع التجاهل المستمر للعوامل الايجابية الأكثر قوة، والنفخ الواضح في عوامل الضعف في التأثير على أسواق النفط فقط لأنها جاءت في الجانب السلبي المطلوب تعزيزه لتأكيد تلك المزاعم.

ويظل السؤال الاهم هو: حتى وإن نجحوا في الربع الأول من هذا العام من مقاومة أساسيات السوق القوية بمثلث خسائر النفط، فما مدى استدامة هذا السرد مع قدوم موسم الصيف والطلب العالي للبنزين والذي محتمل ان يواتي تمديد اتفاقية خفض الانتاج؟! أم هل نستعد لنسمع عن مثلث جديد؟!

خاص_الفابيتا