المشكلة ليست بالتقاعد المبكر يامجلس الشورى

02/04/2017 21
محمد العنقري

نشرت وسائل الإعلام خبرًا عن إفصاح المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لمجلس الشورى عن الحلول المقترحة للتقاعد المبكر وما تبديه المؤسسة من مخاوف عن عجز مستقبلي بوضعها المالي، أي ما سيكون عليها من التزامات الرواتب التقاعدية تحديدًا أعلى من الإيرادات. وجاء في مقترحاتها «تطبيق نسبة خصم في معاشات المتقاعدين مبكرًا عن كل سنة تسبق عمر تقاعد بلوغ السن، أو إيجاد مصادر تمويل إضافية تعادل التكاليف التي يسببها التقاعد المبكر؛ لكي لا يتحول الوضع إلى عبء على ميزانية الدولة مستقبلاً، وعلى الاقتصاد بشكل عام».

من الواضح أن المؤسسة تسعى لتغيير بنظام التقاعد المبكر. وكونها ليست جهة تشريعية - بحسب وصفها لنفسها سابقًا - فهي تأمل من مجلس الشورى أن يساند مقترحاتها؛ كونه الجهة التي تدرس الأنظمة والقوانين قبل رفعها للمقام السامي؛ لتأخذ طريقها نحو الاعتماد النهائي. لكن هل ناقش مجلس الشورى الموقر واقع المؤسسة، وأبحر في تفاصيل إدارتها لمواردها واستثماراتها التي هي أموال المشتركين؟ ثم ما هي الجهة التي تمثل المشتركين لتدلي برأيها، وتنصفهم بأبسط حقوقهم بتقاعد يظنونه مبكرًا، بينما هو حصيلة عمل مدته «ربع قرن»، أي 25 سنة؟ فعلى أي أساس ستجحف المؤسسة بحق المشترك المتقاعد مبكرًا بخصم عن كل سنة تفرق بين عمره وسن التقاعد المحددة عند 60 عامًا؟!!

فمقترح التأمينات قد يعني أنه سيحسم من خدمتك الفرق بين سنك عند التقاعد المبكر والسن المحددة للتقاعد، أي 60 عامًا، وهو ما يعني بكل تأكيد ضياعًا لحقوق المشترك لسنوات خدمها، وسدد اشتراكه فيها. وإذا كانت الفكرة بتغيير معادلة التقاعد لتقليص الراتب للتقاعد فهي أيضًا غير منطقية؛ لأن النسب الحالية لمن يتقاعد مبكرًا لا تصل لأكثر من 62.5 ‎ %‎ من راتبه الأخير الذي تقاضاه وهو على رأس العمل، فأي تعديل بمعادلة التقاعد المبكر ليس منصفًا إذا كان سيقلص راتب التقاعد؛ لأنه أساسًا منخفض بحساب المعادلة الحالية؛ ففي حال تم خصم سنوات الفرق بالعمر فإن التقاعد قد لا يصل لنصف ما يحصل عليه وفق الحساب الحالي، ويكون عمليًّا دفع اشتراكات لمدة ربع قرن أو أكثر ليحصل على تقاعد يعادل خدمة لا تصل لأكثر من نصف أو ثلثي مدة خدمته الفعلية.. فهل سيقبل مجلس الشورى بهذا الإجحاف؟

أما قضية إيجاد موارد أخرى فهي لا تتعدى في أغلب الظن رفع نسبة الخصم للاشتراك. وهنا لا بد من التذكير بأن المشترك المواطن يدفع حاليًا 22 ‎ %‎ مناصفة بينه وبين جهة العمل، ويتضمن 2 ‎ %‎ لبرنامج ساند، لكنها تُعتبر على حساب راتبه في النهاية، فهل مثل هذه النسب قليلة؟! بل إنها تقارب أعلى الاستقطاعات، سواء لأنظمة التقاعد أو لضريبة الدخل في أعلى الدول عالميًّا. ومع التغير المتوقع بتكاليف المعيشة بعد رفع أسعار الطاقة والدعم عن السلع عمومًا فإن رواتب المشتركين لن تتحمل رفع نسب الاستقطاع حتى مع استحقاقهم بدل حساب المواطن؛ فإن ذلك لا يعني تغطية لكامل تكاليف المعيشة؛ فالحساب لن يغطي جل ارتفاعات الأسعار والتكاليف؛ فمبدأ رفع نسب الاستقطاع باشتراكات التأمينات يصبح صعبًا، بل يجب أن ينظر إلى حجم الاستقطاع الحالي بأنه ليس بالقليل، ويحقق موارد كبيرة لصندوق المؤسسة.

فلو نظرنا إلى موارد المؤسسة من باب التذكير سنجد أنها تصل لقرابة 37 مليار ريال سنويًّا، تتوزع بين الاشتراكات بنحو 24 مليارًا، والباقي عوائد استثمار، فيما تصل مصاريفها على التقاعد الذي يستحوذ الجزء الأكبر من مصاريفها إلى قرابة 18 مليار ريال سنويًّا؛ وبذلك فإن الفائض يعادل 100 ‎ %‎ تقريبًا من المصروفات. فعن أي عجز تتحدث المؤسسة؟ وخصوصًا أن حديث مسؤولي المؤسسة يتوقع العجز بمستقبل ليس بالقريب، وقد يكون بعد عقدين من الزمن مفترضين عدم حدوث أي تغيرات كزيادة المشتركين مثلاً وارتفاع رواتبهم واستقطاعاتهم قياسًا بمن يتقاعدون.

فإحصائيات المؤسسة تقول إن مجموع حالات التقاعد المبكر وصلت إلى 74.9 ألف معاش، تمثل 35 %، أي من أصل ما يقارب 212 ألف متقاعد، بالرغم من أن تقارير سابقة تتحدث عن قرابة 300 ألف متقاعد، وتصرف لهم أو لأفراد عائلاتهم أكثر من 850 مليون ريال شهريًّا، تمثل 63 % من قيمة المعاشات الدورية الشهرية التي تبلغ بهذه الحالة 1350 مليون ريال شهريًّا لجميع المتقاعدين؛ ما يعادل 16.2 مليار ريال سنويًّا، يضاف لها مصاريف تتعلق بتعويضات الأخطار وغيرها. كما أن المؤسسة صرفت منذ تأسيسها قبل أكثر من أربعين عامًا قرابة 140 مليار ريال على المنافع للمتقاعدين أو إصابات العمل، لكن منافع التقاعد هي الأكثر إنفاقًا عليها.

وهذا المبلغ يعادل فعليًّا إيراداتها الحالية بنحو أربعة أعوام عند 148 مليار ريال، أي أن المركز المالي للمؤسسة أكثر من قوي عند المقارنة بالإيرادات الكلية التي تزيد على الضعف لحجم مبالغ التقاعد التي تصرف، ولكن إجمالي المتقاعدين لا يمثلون أكثر من نحو 13 ‎ %من إجمالي المشتركين البالغ عددهم نحو 1.8 مليون مشترك، بينما إذا قارناه بإجمالي عدد المشتركين بالمؤسسة من مواطنين ووافدين فنسبة المتقاعدين فنحو 2 ‎ %.

ونحسب النسبة على المشتركين إجمالا؛ لأن جميعهم يسدد اشتراكات، بمن فيهم الوافدون، بنسبة 2 ‎ %‎بدل أخطار، تصرف مبالغ بسيطة منها كتعويضات، ولا توجد التزامات أخرى لهم على اعتبار أن من يسددها المنشآت التي يعملون بها، وليس العامل الوافد، كتعويض عن مخاطر إصابة العمل فقط.

أما ما ننتظره من مقام مجلس الشورى لمناقشته فهو توزيع أصول واستثمارات المؤسسة.. فمؤكد أن لديهم كامل المعلومات، ولا بد أن يخضعوها لتقييم دقيق مع إمكانية الاستعانة ببيوت خبرة أو جهات حكومية مختصة، إضافة للمختصين من أعضاء مجلس الشورى. ففي تقرير مشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد لعام 2014 م يبرز حجم أصول المؤسسة عند 419 مليار ريال، منها نحو 114 مليار ريال استثمارات بنحو 86 شركة مساهمة، بينما لا يتم إيضاح بقية الاستثمارات أين توزعت؟ وكم يمثل العقار منها؟ وإذا كانت الإيرادات من الاستثمارات سنويًّا نحو 13 مليار ريال فهي تمثل عوائد بنسبة 3 ‎ %‎ قياسًا بحجم الأصول، وهو معدل متدنٍّ جدًّا!! يجب أن يناقَش بعمق بمجلس الشورى؛ إذ يبدو أن هناك أصولاً خاملة كأراضٍ لم يُستفَد منها بصورة أرض خام؛ فلماذا لم تتوسع المؤسسة بالاستثمار المدر للدخل؛ لتصل إلى نسب بين 6 و8 ‎ %‎ إذا كانت فعلاً تريد أن تؤكد أنها تدير الاستثمارات بكفاءة عالية وعائد مرتفع قياسًا بأداء أفضل صناديق التقاعد العالمية؟ فمثل هذه النسب تحقق على الأقل بين 20 إلى 22 مليار ريال لو توزعت الاستثمارات على أصول ذات عائد مجزٍ.

أليس ذلك ما هو جدير بالنقاش والمعالجة؟ فالإفصاح عن تفاصيل استثمارات المؤسسة ضعيف إجمالاً، وتغيب الكثير من المعلومات المهمة للعموم لتقييم الأداء؛ فالأموال هي للمشتركين، ولهم حق بمعرفة تفاصيل إدارتها والحفاظ على المنافع التي يأملون بأن ترتفع؛ لتشمل تأمينًا صحيًّا وعلاوات تواكب التغير بتكاليف المعيشة عند ارتفاعها بشكل مستمر، وليس بسنوات متباعدة، وكذلك رفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي الذي يقل عن 2000 ريال بقليل!

مؤسسة التأمينات مسؤولة عن إدارة الاستثمارات وتحسين الأداء للإيرادات بالشق الاستثماري، وعدم القفز للحلول على حساب المشتركين الذين يبدو أنهم فقط في ذهنية إدارة المؤسسة التي نقدر جهودها، مع العلم بأن الدولة مشكورة تتحمل مصاريف المؤسسة كافة من رواتب وبدلات دون أن تحمل على موارد المؤسسة.. فالحلول المستقبلية لسنوات بعيدة تعد استراتيجية لا خلاف حولها، لكن لا يمكن أن تستقيم الحلول دون المعالجات الداخلية تحديدًا للأداء الاستثماري للمؤسسة؛ فما سيبدو إذا كان التغيير بمقترحات المؤسسة الحالية للتقاعد المبكر حلاً سيتبعه بعد سنوات قد تكون قليلة مقترحات برفع نسب الاستقطاع بينما تبقى الحلول الكاملة غائبة؛ ما يضعف أي إجراءات تُتخذ؛ لأنها عالجت المشكلة بالجانب الأسهل، ولكن على حساب المشتركين وحقهم بالراحة بعد رحلة عمل طويلة، لن تقل عن ربع قرن.

نقلا عن الجزيرة