أرامكو.. محور التنمية

16/03/2017 2
فضل بن سعد البوعينين

نجحت أرامكو السعودية في إدارة قطاع النفط بكفاءة وموثوقية، وأثبتت قدرتها الفائقة في التعامل مع المتغيرات العالمية في قطاعات التنقيب، الإنتاج، التسويق والتكرير.. وأسهمت في تحقيق الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة.

لم يقتصر دور أرامكو على القطاع النفطي، بل مارست أدوارًا أخرى في التنمية والمسؤولية المجتمعية، التي أرست قواعدها باحترافية ومسؤولية غير مسبوقة. قدرات أرامكو الاستثنائية جعلتها مرجعًا لمعالجة التحديات التنموية التي واجهتها الحكومة خلال العقود الماضية، وأقحمتها في تخصصات بعيدة عن دائرتها الضيقة. قدرتها على تحقيق النجاح مكنتها من التغلغل في بعض المشروعات التنموية الاستراتيجية التي كادت تتوقف بسبب المشكلات التنفيذية.

مدينة جازان الاقتصادية كانت ضمن المشروعات الاستراتيجية المهددة بالتعثر، لولا إصرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله رحمة واسعة - الذي أصرَّ على إنجاز وعده، وإحداث تحوُّل تنموي مستحق في جازان من خلال المدينة الاقتصادية.

شكَّل إسناد مهمة البنى التحتية الأساسية، واستكمال المرافق الحيوية التي لا يمكن للمدينة العمل دونها، إلى أرامكو السعودية جسرًا لنقل المدينة من دائرة التعثر إلى ربوة الإنجاز السريع الضامن لتحقيق الأهداف المرسومة بدقة متناهية.

كنتُ محظوظًا بزيارة المدينة الاقتصادية في مراحلها المختلفة، بدءًا من وضع حجر الأساس، مرورًا بتكليف أرامكو السعودية باستكمال مهمة الشركات العالمية المنسحبة حتى المرحلة ما قبل الأخيرة؛ إذ أوشكت المصفاة والمحطة والبنى التحتية على الانتهاء. وفي كل زيارة أزدادُ إيمانًا وفخرًا بقدرات أرامكو الاستثنائية ومَن يعمل بها من السعوديين الأكفاء. كيف نجحت أرامكو في تنفيذ مشروع المدينة الاقتصادية، بدلاً من التركيز على مسؤوليتها في إنجاز مشروعاتها الخاصة؟ منظومة النجاح قادرة على التعامل باحترافية مع جميع التحديات، وتحمُّل المسؤوليات التنموية وتنفيذها، وإن كانت بعيدة كل البُعد عن تخصصها الرئيس.. وهذا ما حدث بالفعل في جازان وكثير من مناطق المملكة التي أحدثت فيها أرامكو بصمات تنموية مشرفة.

مدينة جازان الاقتصادية من أهم المدن الاقتصادية في المملكة، التي يرجى منها تحقيق أسس التنمية الشاملة والمستدامة، أسوة بمدينتَي الجبيل وينبع الصناعيتَين. نجحت المدينة الاقتصادية قبل اكتمالها في جذب استثمارات صناعية عالمية ومحلية في قطاعات البترول، الحديد والصلب، البنى التحتية والخدمات المساندة؛ وما ذاك إلا بسبب ما تبذله أرامكو من جهود على ثلاثة جوانب رئيسة: الأول استكمال البنى التحتية للمدينة، والثاني استثمارها في المصفاة ومحطة الطاقة وضمان إنجازها؛ لتكون محورًا لتنمية المدينة وجذب الاستثمارات النوعية، والثالث نشاطها القوي، بالشراكة مع وزارة الطاقة، في تسويق المدينة وجذب الاستثمارات لها، وإقامة المنتديات، واستقطاب رجال المال والأعمال والشركات الكبرى لها.. الشراكة السعودية - الصينية والاتفاقات التي وُقّعت خلال زيارة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العام الماضي ستسمح للشركات الصينية بالعمل من خلال المدينة الاقتصادية مستفيدة من البيئة الحاضنة والميناء الضخم الذي قد يتحول إلى أهم موانئ المنطقة، وأن يكون قادرًا على الربط بين قارتَيْ آسيا وإفريقيا. موقع المدينة الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر، وبرامج الدعم والتحفيز الحكومي، واكتمال البنى التحتية، سيعطيها ميزة تنافسية جاذبة للاستثمار.

أثبتت أرامكو السعودية قدرة فائقة في تنفيذ المدينة الاقتصادية، والبدء في التسويق لها من خلال المنتديات الاقتصادية لضمان التزامن بين جاهزية المدينة وبدء الاستثمارات الضخمة التي ستسهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.. وأثبتت أيضًا قدرة في التخطيط الاستراتيجي لمستقبل المنطقة بإطلاقها المبادرات المهمة، ومنها المبادرة الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وتطوير الشباب السعودي من أبناء منطقة جازان، وتجهيزهم للعمل في مرافق المدينة الاقتصادية. انخراط أرامكو في عملياتها التشغيلية لم يُنسها جانب المسؤولية المجتمعية؛ إذ أنجزت مشروع الكورنيش البحري الذي أحدث تغييرًا بيئيًّا في المنطقة والمحافظات القريبة على وجه الخصوص. وهذا يقودني إلى التذكير بأهمية دمج محافظة «بيش» القريبة بالمدينة الاقتصادية التي ستتحول مع مرور الوقت إلى مدينة عصرية، تحتضن أرقى الخدمات، والبنى التحتية والأحياء الجميلة.

خلق استراتيجية تنموية موحدة للمنطقة، والالتزام بها، وتنفيذ مشروعات تنموية داخل وخارج المدينة الاقتصادية، سيسهم في الحد من الفجوات التنموية بين المدينة الاقتصادية والمحافظة القريبة منها. إضافة إلى ذلك، فمن المهم تذكير الهيئة الملكية للجبيل وينبع التي ستتسلم المدينة لاحقًا بمسؤولياتها تجاه المحافظات القريبة من المدينة الاقتصادية، وعدم عزل المدينة الاقتصادية عن عمقها؛ ما سيتسبب في فجوات تنموية، لا يمكن معالجتها مستقبلاً، كما حدث في الجبيل وينبع، والحرص على تنفيذ مشروعات تنموية مزدوجة (تعليمية، صحية وخدمية على وجه الخصوص)، وإتاحة خدمات المدينة لجميع المواطنين، بما يسهم في تحقيق هدف الملك عبدالله - رحمه الله - القائم على «العدالة التنموية»، وضمان الاستفادة منها لجميع المواطنين.

نقلا عن الجزيرة