قفزة الأسهم الأمريكية وطرح "أرامكو"

05/03/2017 4
خالد أبو شادي

-سنعود للوراء قليلا بضع سنوات.

-لماذا؟ 

-لنتذكر.. 

-لنتذكر ماذا؟ 

-توقعات تبدو مفرطة في التفاؤل إن لم تكن غارقة فيه -تحدثنا عنها قبل حدوثها وليس بعدها- كي نحاول أن نفهم كيف بنيت؟ ونستخلص منها بعض الفائدة، وتطرح تساؤلا بشكل غير مباشر عن توقيت تصحيح السوق الأمريكي واكتتاب "أرامكو".

في بداية عام 2014 تقريبا، أطلق "جيرمي سيجل" الأستاذ بكلية "وارتون" في جامعة بنلسفانيا توقعا متفائلا بإمكانية تجاوز مؤشر "داو جونز" مستوى 20,000 نقطة وربما21,000 نقطة (وقت إصدار تلك التوقعات كانت قيمة المؤشر دون 14,000 نقطة).

ولأنه كرر وأكد على تفاؤله هذا عدة مرات بدا الأمر غريبا، حتى أنني شخصيا كنت أحسده على تفاؤله "المفرط "، لكن المهم أن نعلم لماذا كان هذا التفاؤل وعلى أى أساس؟ وهذا هو لب الموضوع، وفي ذات الوقت نحاول ربط ذلك بلغة "وارين بافيت" المتفائلة أيضا التي بانت في تصريحاته الصادرة الأسبوع الماضي التي أشار من خلالها إلى عدم وجود فقاعة في سوق الأسهم التي يرى أنها "رخيصة".

بإختصار برر "سيجل" هذا التفاؤل بالقيمة العادلة للأسهم كما ذكرت هنا في هذه الزاوية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حيث يرى أن الأسهم تميل إلى تجاوز تلك القيمة قبل الدخول في مرحلة تصحيحية.

وقد تحققت توقعاته بالفعل وارتفع مؤشر "داو جونز" فوق مستوى 21000 نقطة الأسبوع الماضي وحققت الأسهم مستويات قياسية غير مسبوقة فهل حققت المستهدف النهائي وتستعد للهبوط؟

هنا تأتي تصريحات "بافيت" التي تعد بمثابة مفاجأة، حيث يعتقد الرجل الخبير في مجاله لعدة عقود أنه لا وجود لفقاعة في سوق الأسهم وأنها ما زالت "رخيصة"!!

وهذا يدفعنا إلى التساؤل: هل صارت ارتفعت القيمة العادلة لتلك الأسهم وفقا لتوقعات مبنية على النبرة شديدة التفاؤل بضخ مليارات الدولارات في البنية التحتية لتجديد شباب أمريكا وإعادة الحيوية لها، طالب "ترامب" الكونجرس بضخ تريليون دولار لعمل ذلك (هنا تساؤل: ما القيمة العادلة لسهم "أرامكو"؟)

ولأن الأسواق لا تساير التوقعات دائما، وخصوصا التي أطلقتها معظم بيوت الخبرة محذرة من "طوفان هبوط" حال اعتلاء "ترامب" سدة الحكم في الولايات المتحدة، فقد ارتفع مؤشر "داو جونز" بأكثر من 2500 نقطة منذ فوز "ترامب" في الانتخابات.

الرجل يلعب على وتر شديد الحساسية بالنسبة لملايين الأمريكيين، فلكي يترجم شعار "أمريكا أولا" بشكل عملي، دعا مواطنيه في أول خطاب رسمي منذ توليه السلطة للعمل على تحقيق مبدأ هام أو شعار للمرحلة : اشترى بضائع أمريكية لتساهم في توظيف وتشغيل الأمريكيين.

و"بافيت" لديه قناعة أن الأسهم لا تزال رخيصة بالفعل كون الفائدة متدنية، لكن ماذا عن الرفع المتوقع عدة مرات في 2017، حيث مهدت "جانيت يلين" في كلامها الأسبوع الماضي إلى امكانية حدوث ذلك في الإجتماع المقبل للبنك الإحتياطي الفيدرالي لاحقا هذا الشهر؟

وبالمناسبة فإن البنك اعتاد عمل "تمهيد" مسبق لخطواته القادمة كي لا يصدم الأسواق، ويجنبها تحركا جامحا يفقدها التوازن ومن ثم تتحقق خسائر ضخمة، حيث يستقر في أذهان معظم الناس أن رفع الفائدة لا يمثل دلالة إيجابية لأسواق المال لا سيما الأسهم.

لكن تواريخ رفع الفائدة للبنك الفيدرالي لا تؤكد دائما وجود ارتباط لصيق وحتمي بحدوث هبوط حاد متواصل مع رفع الفائدة.

والفائدة تقف حاليا عند النطاق 0.5%-0.75% بعد رفعها في ديسمبر/كانون الأول، وحتى مع فرضية رفعها ثلاث مرات هذا العام ستظل عند مستوى معقول بالنسبة للأسهم بالطبع لن يقلل من مخاطر التصحيح، لكنه يبعد عنها شبح "الفقاعة" كما يرى "بافيت".

فالرجل يعتقد أن الفائدة إذا كانت عند 7% أو 8% مع بلوغ الأسهم مستوياتها الحالية ، فإنها ستكون في موضع "مبالغة" بالنسبة لأسعارها بشكل كبير، وعلى الأقل فإن أحد أهم معاييره للتقييم وجود العائد على السندات العشرية-لأجل عشر سنوات- حول 2.3% وهو معدل ليس فقط من الأقل تاريخيا بل أقل كثيرا عن مستواها في منتصف ديسمبر/كانون الأول عند 2.6% كما نوهت "سي ان ان" التي نقلت تصريحاته لشبكة "سي ان بي سي".

هذا يعني بإختصار وجود نبرة متفائلة لتحرك الأسهم الأمريكية والتي تؤثر بشكل أو آخر على تحرك نظيرتها في أى مكان في العالم، حيث تميل "للتوافق" معها في تحركات الهبوط والتصحيح أكثر من الصعود.

وهنا يجب التأكيد على بعض النقاط الهامة:

-توالي صعود الأسهم الأمريكية ساهم في تسريع تحرك رؤوس أموال كثيرة من الأسواق الناشئة بإتجاه أمريكا مدعومة بتوقعات المزيد من رفع الفائدة، وهذا دعّم الصعود.

-الأسواق قد تخالف توقعات كبار المحللين والمتابعين، وحدث هذا مع تلميذ "اليوت" النجيب "روبرت بريختر"، ناهيك عن " نورييل روبيني"، "جيم روجرز"، والرجل المتشائم دائما "مارك فابر".

-كان مؤشر "دولار اندكس" الذي يتابع تحرك العملة الخضراء قرب 83 نقطة تقريبا مع بداية 2014 والآن يتحرك فوق 101 نقطة بعد أن اقترب من 104 نقاط بداية هذا العام، هذا يعني ارتفاع قيمة الدولار تزامنا مع ارتفاع قيمة الأسهم ذاتها (ارتفاع قيمة السهم ذاته مع ارتفاع قيمة العملة المقوم بها سعره وهذا تضخم ربما يكون غير واضح لكثيرين).

-مع رفع الفائدة سيكون هناك ضغط على تحرك أسعار النفط التي يبدو أن أسواقها باتت غير مقتنعة بخفض الإنتاج الذي فعّلته "أوبك" بداية العام وتنتظر المزيد من الخطوات كي تواصل ارتفاعها أو حتى ثباتها، ومن ثم انعكاس ذلك على أسهم شركات القطاع.

-بعد هذا التوضيح..هل أخذ في الحسبان "امكانية" حدوث تصحيح في سوق الأسهم الأمريكية تزامنا مع توقيت طرح "أرامكو" في 2018 وذلك بفرض تواصل تسيّد نبرة التفاؤل وتواصلها التي أبداها "بافيت" خلال العام الحالي..سؤال بعيد بعض الشيء عن الجدال الدائر حول جدوى الإكتتاب أو تأخيره على الأقل، لكن يصب في اتجاهه في النهاية.

خاص_الفابيتا