هل حقا سنبيع أرامكو؟ «7»

28/02/2017 8
د. إحسان بوحليقة

خرج لنا بيت استشارات مالية بتقييم «غبي» لشركة أرامكو السعودية. لن أسمي المكتب، لكني أقول إن اتباع الطرق التقليدية لتقييم أرامكو فيه انتقاص لتفردها، فشركات النفط العالمية تتنافس للحصول على امتيازات للتنقيب أو الاستخراج في حقول متناثرة هنا وهناك، بعضها صغير والقليل منها كبير، بعضها في اليابسة وأخرى في الماء .

بل أن الحكومات توزع استثمار احتياطاتها على عدد من الشركات، حيث تجزئ المناطق الغنية بالخام أو الواعدة لمربعات، وتجعل الشركات تتنافس للفوز بواحدٍ أو أكثر من هذه المربعات، وتضع الحكومات شروطا متنوعة أمام الشركات، منها له صلة بالنشاط النفطي، وشروطا أخرى تتصل بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية. أما «أرامكو» فقصة أخرى، أرامكو تمتلك امتيازا حصريا للنفط والغاز في طول وطننا الغالي وعرضة، لا ينافسها فيه منافس، ويضاف لذلك أن أراضينا تحتضن حقول نفط تعتبر «طفرات جينية»، فلا يوجد للغوار مثيل.

ولا يتوقف الأمر عند احتياطات غزيرة، بل إن شركة أرامكو تمتلك الخبرة والدراية في هذا المجال لعقود متعددة، وقد أثبتت قدرتها على تطوير أدائها وتعزيز كفاءتها ومواكبة المتطلبات التسويقية والتقنية للبقاء في المقدمة، وعلى الرغم من أنها شركة غير مدرجة، إلا أنها مارست قدرا كبيرا من المسئولية الاجتماعية والانفتاح على المجتمع عبر بواباتٍ شتى، بما جعلها على وفاق وانسجام مع مجتمعها، وهذا أمر لا تتمتع به الكثير من الشركات، التي تكابد من شكايات وقضايا منظورة؛ لأسباب تتصل بالتلوث أو التعامل مع مواردها البشرية أو ما إلى هناك.

ومعروف أن لدى أرامكو موارد بشرية مؤهلة، وإدارة مستقرة باعتبار أن الأسلوب هو الترقية للوظائف العليا من الداخل، فلن تجد فيها رئيسا مستقطبا عبر «صيادي الرؤوس»، بل يترقى الموظف حتى ليصل لما يصل إليه. كما أن نسبة السعودة (التوطين) عالية تقليديا، كما أن الشركة تمكنت من أن توجد شبكة من العلاقات التجارية مع عدد كبير من المقاولين والمزودين المحليين، بل إن الشركة بادرت بـ «صناعتهم»، في وقت من الأوقات، عندما لم يكن في السوق المحلية من يستطيع توفير السلع الضرورية بالمواصفات المطلوبة، فكنا ونحن صغار نتحدث عن «كيك أرامكو»، ثم كبرنا قليلا لنتابع باصات أرامكو وهي تأتي لبلدات العمال وقراهم لتأخذهم صباحا وتعيدهم مساء، وأصبحت أسماء شركات مقاولات نقل موظفي أرامكو معروفة في كل بيت وشارع!

ويطول الحديث عن تداخل أرامكو في النسيج الاقتصادي السعودي، فقد تكفي الإشارة إلى أن ما تنفقه الشركة للتزويد قد يتجاوز 100 مليار ريال سنويا، جزء منها يستوفى من مزودين محليين، والشركة تسعى، عبر برنامج «اكتفاء» لزيادة ذلك الجزء. بالقطع لهذا الجهد تبعات على الاقتصاد السعودي ليست خافية. بما يبرر القول إن أرامكو ليست مجرد مربعات امتياز، حتى تأتي شركة تقييم مغمورة لتقول إنها ستطبق طريقة «التدفقات النقدية المخصومة» لتقييم شركة أرامكو! قد يطول الجدل حول هذه النقطة .

ولكن لا بد أن ندرك أننا لسنا أمام سلعة ستباع في مزاد! فقد لا يأتي المزاد بالسعر العادل! لكن ما السعر العادل؟ أرامكو هي فريدة في عالم النفط، ليس لها مثيل، فمثلا هي لا تقارن من حيث جودة الاحتياطيات بأكبر شركة نفط وبتروكيماويات مدرجة حاليا وهي إكسون موبيل، التي تقدر بنحو 336 مليار دولار، فأرامكو أثمن بكثير، وقد ثبت ذلك مؤخرا عندما «تدحرج» سهم إكسون بعد أن ظهر تقييم يقول إن بعض امتيازاتها تحوي احتياطيات غير قابلة للاستخراج.

والنقطة فيما تقدم، أن أرامكو عبارة عن وطن في شركة، وليس في هذا أية عواطف جياشة، فأينما تذهب في طول وطننا الغالي ستجد نشاطا - من نوعٍ أو آخر- لأرامكو، تصوروا أن هذه الأنشطة أخذت فرصة إضافية لكي تتوسع وتتطور، ولتوظيف المزيد من الشباب، وتوليد المزيد من فرص الاستثمارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، فكل مصفاة تنشأ حاليا هي بمثابة مرتكز لإقامة صناعة بتروكيماويات قابلة لتوليد صناعات صغيرة ومتوسطة، وقابلة للتصدير.

القصة متشعبة، وبوسعنا جعل فصولها جميعا تُمطر إنتاجا وازدهارا وقيمة. أرامكو تمتلك فرصة لتحقيق المزيد من النمو، وبالتالي المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي. وهذا ينسجم مع ما بدأت أرامكو تتطلع لتحقيقه منذ بداية الألفية، بأن تتحرك لإضافة حلقات ضمن سلسلة القيمة، وألا تكتفي بالتنقيب عن النفط واستخراجه وبيعه، ونحن كذلك لن نكتفي بأي سعرٍ مقابل دانتنا الفريدة.

 

نقلا عن اليوم