حتى يدعم حساب المواطن قوة المجتمع اقتصاديًا

26/02/2017 2
محمد العنقري

برنامج حساب المواطن أحد أهم التحولات التي أقرت ببرنامج التوازن المالي الذي يأتي ضمن حزمة هيكلة الاقتصاد المحلي وفق رؤية المملكة الاستراتيجية 2030م وينظر للبرنامج بأنه الأداة الفعالة التي من خلالها سيتم إعادة توزيع الدعم للمستهدفين من أفراد المجتمع وفق آلية معلنة وطرق تقنية حديثة سهلت من عمليات التسجيل حيث تخطى عدد الأسر المسجلة حاجز الثلاثة ملايين أسرة لكن هل سيتمكن البرنامج بما تم تعبئته من سياسات أولية ظهرت فيها نماذج محتملة لتقديرات الدعم وفق الفئات الخمسة التي صنفت بشكل أساسي على حجم الدخل الشهري للأسرة.

فبالرغم من أن السياسات النهائية لمقدار الدعم لم تقر إلى الآن حيث ينتظر اعتمادها بعد القيام بتحليل المعلومات التي سجلها المواطنون والمواطنات ممن يعدون حسب نظام البرنامج هم أرباب الأسر كما أن التسجيل بالبرنامج متاح دائمًا وليس له تاريخ إقفال باعتبار أن التغير بحياة أفراد المجتمع هو سياق طبيعي حتى لا يحرموا الاستفادة من البرنامج مستقبلاً، لكن السؤال الرئيس الذي ينتظر الإجابة هل مقدار التعويض الذي ستتحصل عليه كل شريحة سيكون كافيًالتغطية الدعم الذي سيتم رفعه بتأثيره المباشر وغير المباشر؟

الإجابة على هذا التساؤل تعد هي عماد نجاح البرنامج من عدمه في الإبقاء على قوة الأسرة المالية وتأثيرها الإيجابي بالاقتصاد سواء بإنفاقها الاستهلاكي أو الادخاري وكذلك الاستثماري فبحسب ما ذكر من احتمالات بالبرنامج لمقدار الدعم فإنه سيصل بأعلى مستوياته إلى «2000 ريال» لأكثر الشرائح استفادة وهي الأقل دخلاً التي يتوقع البرنامج مبدئيًا أن تكون من ذوي الدخل دون 8600 ريال، فاذا كان البرنامج يعتقد أن التعويض عن رفع أسعار الطاقة والوقود وكذلك المياه مستقبلاً يشكل جل التعويض الذي يعتقدون بأنه سيكون كافيًا لتغطية تأثير رفع الدعم فإن الآثار غير المباشرة الحالية لخفض تكاليف المعيشة ستكون أيضًا مرتفعة ولا بد من قياسها بدقة

فالبرنامج تضمن تغطية لارتفاع التضخم على الأسر وبحسب ما تم شرحه من مسؤولي البرنامج فإن تحديدًا قد تم لعشرات السلع الأساسية سيتم مراقبتها وفي حال ارتفاع أسعارها فالبرنامج سيضيف مبلغًا للدعم يتناسب مع حجم ارتفاع التضخم، ولنفرض أن التضخم ارتفع بمقدار 3 في المائة فإن التعويض بنفس المقدار على حسب مبلغ الدعم المربوط تقديره بكل شريحة فمثلاً لو قمنا بقياس ارتفاع التضخم بالنسبة المذكورة على أعلى تعويض محتمل الذي سيكون بعام 2020 م عند ألفي ريال فإن الزيادة التي تغطي التضخم ستكون 60 ريالاً شهريًا إذا كانت نسبة التضخم كما ذكرت 3 في المائة وبما أن البرنامج يتم تحديث أرقام الدعم فيه بشكل دوري ومتوقع أن يكون بشكل ربعيًا فإن التغيرات بحجم الدعم ستتغير أكثر من مرة سنويًا لأنها سترتبط بأسعار الطاقة التي سيكون تحديدها وفق مرجعية عالمية وهذا ما يجعلها مرنة ومتغيرة سنويًا

لكن الواقع يقول إن ما يصل الأسرة من دعم غير مباشر قد يفوق الدعم المباشر بكثير ولا يجب أن يقتصر تعويض التضخم عند نسب تغير أسعار سلع فمع رفع الدعم مستقبلاً فإن ارتفاعًا بالكثير من التكاليف سيحدث فاجور العمالة والخدمات إجمالاً سترتفع وستنعكس على تكاليف المعيشة بما يعنى أن الدعم الحالي للطاقة والوقود يؤثر بشكل كبير على خفض تكاليف المعيشة وهو ما يفترض أن يتم قياسه قبل أن يظهر تأثيره في المستقبل بشكل بالغ قد يخفض كثيرًا من قدرة الأسرة والفرد عمومًا على تغطية التراماتها واحتياجاتها الرئيسة والأساسية ومع التوجه مستقبلاً للخصخصة فإن تكاليف الخدمات بكافة القطاعات التي سيشملها برنامج الخصخصة سترتفع كتقدير طبيعي حتى تتغطى التكاليف التشغيلية وتحقيق هامش ربح مما يعني أن الأثر غير المباشر للدعم قد يفوق ما سيتم دفعه كتعويض بنسب كبيرة جدًا وهو ما يعني أن الأسرة ستدخل في عجز مالي غالبًا خصوصًا الشرائح ذات الدخل المنخفض وهو ما سيعني احتمال العودة من جديد لرفع برامج الدعم الاجتماعي الحكومي فحاليًا مسجل بالضمان الاجتماعي 850 ألف أسرة مما يعادل قرابة 20 في المائة من إجمالي الأسر السعودية ففي حال لم يتم تقدير أثر الدعم المباشر وغير المباشر الحالي على دخل الأسرة وقدرتها الشرائية وملاءتها المالية فإن أعداد طالبي معونة الضمان الاجتماعي وغيرها من برامج الإعانات ستزداد مما سينعكس سلبًا على إحدى ركائز قوة الاقتصاد وهو إنفاق المستهلك.

برنامج حساب المواطن يبقى أداة فعالة ومهمة لإعادة توزيع الدعم لكن السياسات التي يتم تعبئتها بالبرنامج ومدى دقة الحسابات لحجم تأثير الدعم حاليًا على اقتصاد الأسرة سوف يقرر نجاح البرنامج بتغطية جزء أساسي من ارتفاع تكاليف المعيشة المقبل وكذلك سيكون له أكبر الأثر بالاقتصاد لأن المستهلك فرد أو أسرة هم من يلعبون الدور البارز بالتأثير على النمو الاقتصادي ونشاط الكثير من القطاعات وجاذبية الاستثمار للاقتصاد بإنتاج السلع والخدمات مما يعني أنه ينعكس على توليد فرص العمل فلا بد من القياس الدقيق سواء لمقدار التعويض المناسب وكذلك للآثار الاقتصادية والاجتماعية المقبلة ضمن ما يجري العمل عليه من هيكلة اقتصادية شاملة وتحول استراتيجي تاريخي بالاقتصاد الوطني.

نقلا عن الجزيرة