«المها القطرية» غادرت.. أم «أخرجت» ؟

13/02/2017 10
جمال بنون

في كانون الثاني (يناير) 2016 أعلنت الهيئة العامة للطيران المدني السعودي أنها ستعلن في مؤتمر صحافي يحضره رئيس الهيئة سليمان الحمدان تفاصيل بدء الشركات التي مُنحت الترخيص بالعمل في الطيران الداخلي، وقال حينها المتحدث باسم الهيئة، إن رئيس الهيئة سيعلن خلال مؤتمر صحافي في الصالة الـ5 في مطار الملك خالد بالرياض تفاصيل المشروع الذي يمثل نقلة نوعية، ووقتها تم الإعلان عن فوز الخطوط القطرية وشركة عبدالهادي القحطاني في 2012 برخصة ناقل جوي وطني بالسعودية، على أن تطلق القطرية «المها»، أما شركة عبدالهادي القحطاني فستنطلق تحت مسمى «الخليجية للطيران».

إلى هنا تبدو الأمور واضحة ولا غبار عليها، وسوق النقل الجوي كانت في شوق لبدء هذه الشركات أعمالها نتيجة الطلب الشديد لزيادة عدد شركات النقل الجوي الداخلي والحاجة الملحة لها، إذ يواجه النقل الجوي الداخلي الكثير من الضغوطات مع قلة الموجود، فهي مقبلة على توسعات في مجال السياحة الداخلية والعمرة والحج، وتوجهات الدولة في زيادة أعداد المعتمرين لتصل إلى 30 مليون معتمر، والتوجيهات الأخيرة بزيادة عدد الحجاج هذا العام، كما أن أحد أهداف رؤية السعودية 2030 هو إيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء وتعزيز ثقتهم بالاقتصاد السعودي.

خبر انسحاب المها القطرية وتوقف مشروعها في السعودية كان صادماً ليس فقط للمهتمين بقطاع النقل الجوي، إنما حتى للمراقبين للشأن الاقتصادي في السعودية، فبيان الخطوط القطرية حمّل الجانب السعودي عدم تعاونه في تسهيل إجراءات التراخيص اللازمة، وقال الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط القطرية أكبر الباكر إن الشركة لن تطلق «طيران المها» في السعودية بعد عدم تيسر الحصول على التراخيص اللازمة، وفي المقابل ردت هيئة الطيران المدني على لسان مساعد رئيس الهيئة العامة للطيران المدني للسلامة والأمن والنقل الجوي عبدالحكيم البدر في تعقيب مقتضب، أن توقف «المها» يرجع للشركة وليس بسبب الإجراءات السعودية وأن الشركة القطرية ترغب في إعادة النظر في درس السوق.

مع الفارق الزمني للتصريحين، سواءً للخطوط القطرية أم هيئة الطيران المدني، سيلاحظ تغير لهجة التخاطب والتصريحات، في المرة الأولى كان هناك ترحيب وحفاوة بالغة، ولا أظن أن أي شركة أياً كان نشاطها، أن تشرع في فتح مكاتب وتجهزها بموظفين واستعدت لإطلاق المشروع، ثم فجأة تقرر إعادة النظر في درس السوق، لا أعتقد أن أي مستثمر - خصوصاً الشركة الكبرى - سيقدم عطاءات الدخول كمستثمر من دون أن يدرس السوق جيداً، لاسيما أن قطاع النقل الجوي الداخلي مغر لأي مستثمر أو شركة.

بحسب المعلومات المتواترة، فإن الخطوط القطرية فوجئت بأنه مطلوب منها أن تدخل معها شريكاً سعودياً لتستطيع إكمال بقية التراخيص المطلوبة. لنفترض أن هذا الكلام صحيح، ربما تكون هيئة الطيران السعودية استعجلت حينما منحتها موافقتها لدخول السوق السعودية، لجعل النقل الداخلي للشركات السعودية، فلماذا لم تساعدها الهيئة في اختيار شريك، والسوق السعودية مليئة بشركات الطيران والسفر الكبرى والتي لها باع طويل في تقديم خدمات السفر؟ على سبيل المثال، لماذا لم تقترح الهيئة شركة الطيار للدخول مع الشركة القطرية، أو نسما وهي إحدى شركات النقل الجوي الناشئة ولديها كفاءة مالية، أو غيرهما من الشركات، بهدف تسهيل الإجراءات ومساعدة المستثمر الخارجي، وأيضاً منح فرصة للشركات المحلية للدخول معها؟ فالغاية ليست فقط الموافقة على تشغيل الشركة القطرية، بل المهم أن نساعد الشركات الراغبة في الاستثمار ولا نجعلها تخرج وهي تشتكي من الملل وعقدة الإجراءات، فالمستفيد من هذه المشاريع هو الوطن، ويجب أن تغلب عليها المصلحة الوطنية وليس الشخصية.

نحن أمام لغز محير، وأعتقد أن على الجهات المختصة أن تعيد النظر في مسألة الشركات الأجنبية التي تدخل السوق وتبقى فترة ثم بعد ذلك تغادر بتصريح متبادل بين الطرفين، ويكون الخاسر الأكبر فيها الوطن، فنحن على أعتاب برنامج التحول الوطني 2020 والرؤية السعودية 2030، التي راعت قطاع النقل لإنشاء منصة لوجيستية مميزة للقارات الثلاث، وعلى ما يبدو هناك معلومة غائبة لا يعرفها أحد، وهي ماذا حدث بعد أن حصلت الشركة القطرية على الموافقة؟ وأين تعثرت العلاقة؟ هل تغيرت قوانين النقل؟ هل تم وضع شروط لا تستطيع معها القطرية تنفيذها؟ هل تدخل طرف ثالث في الموضوع؟ الموضوع فيه غموض، وهذا لن يساعد في التعامل بشفافية مع المشاريع والشركات التي ترغب في دخول السوق، فخروج شركة مستثمرة من السوق أو مغادرتها، لا يقل عن مشروع متعثر أو تعطل نتيجة سوء إدارة، وهذا جزء من منظومة الفساد الإداري التي نطالب بالشفافية، ولعل لضبابية التعاقد منذ البداية وعدم الوضوح هما ما أوقع الطرفين في هذه المشكلة، ولعل فريق رؤية 2030 الذي يفترض أن يكون متابعاً لكل التفاصيل يتدخل لتوضيح ما حدث للمتابعين، فمن غير المعقول أن نحتفل فقط في كل مرة بإعلان فوز أو السماح بدخول شركات جديدة للاستثمار في مجالات مختلفة، ثم نتفاجأ بأن المشروع ألغي، فتضيع أحلامنا وتضيع معها فرص العمل والتنمية وبقية القطاعات الأخرى المستفيدة، خصوصاً أن البعض منها حصلت على ترخيص ملكية 100 في المئة من دون شريك سعودي، وكان من المفترض أن يتم التعامل مع الشركة القطرية كونها إحدى الشركات الخليجية وتعامل كشركة وطنية، وهذه الإجراءات أعلنت عنها أمانة دول مجلس التعاون قبل شهرين، وهو اعتبار فروع الشركات الخليجية في أي من البلدان الخليجية شركات وطنية.

هذه العلاقة بين المستثمرين والجهات الحكومية تجعلنا نطالب بجهاز حكومي مستقل يعنى بتنظيم العلاقة بين الجهتين ولا يتركها بين الشركة أو المستثمر والجهة الحكومية المانحة للترخيص، بل يجب أن تكون هناك جهات لها صلاحيات وتدرس كل الفرص والحلول، وأن تتمسك بالمستثمر المحلي أو الأجنبي، كما يتمسك صاحب المحل بالزبون الذي يدخل المحل، ولا يتركه يغادر من دون أن يقنعه بالشراء.

نقلا عن الحياة