إذا كان النفط سينضب ..فهذا المورد لا ينضب أبدا

05/02/2017 15
خالد أبو شادي

(اسمحوا لي أن أعتبر هذا المقال بمثابة فضفضة مع الذات أنقلها لحضراتكم بصوت أعلى لنتشارك أفكارنا، فشكرا مقدما على صبركم لقراءته).

اعتدنا عند سماع كلمة "الموارد الطبيعية" استحضار صور النفط، الغاز الطبيعي، المعادن، وغيرها من السلع الأولية والمواد الخام التي لا غنى عنها لحياة الإنسان، الذي ينفق مليارات الدولارات لإستخراجها من باطن الأرض، فضلا عن تطوير مراحل نقلها وصناعتها المتعددة في النهاية.

وهذه الموارد تحت الأرض وفوقها مقسمة إلى موارد متجددة وأخرى غير متجددة أى ناضبة، وبالطبع فإن النفط من الفصيلة الأخيرة التي سيأتي يوم ما وتنتهي من على الأرض  بغض النظر عن الجدال المحتدم عن الفترة المتبقية له، بينما قضت حكمة المولى جل وعلا أن يختلف توزيع تلك الموارد جغرافياً من بلد لآخر ومن منطقة لأخرى.

وفي رأيي فإن أهم الموارد على الإطلاق لم يدخل في هذا التصنيف، وبغض النظر عن فلسفة الأمر، يبقى الإنسان هو المورد غير الناضب على الإطلاق لكن بشرط حسن تأهيله وتعليمه وتربيته قبل أى شيء.

ومع التطور الذي شهدته حياه الإنسان وكثرة نسله، وتعقيد حياته ورسم الحدود بين الدول بانت الدول الفقيرة في مواردها الطبيعية، والأخرى الغنية، وبرهنت تجارب أمم على فطنتها لأهمية الإنسان كمورد أهم وأقوى من كل ما فوق الأرض وتحت الأرض.

فهناك دول ليس لديها موارد طبيعية بالمفهوم الأكاديمي تقريبا لا سيما اليابان وبعض الدول الآسيوية الأخرى وحققت طفرات هائلة في التقدم، وبعضها به موارد ضخمة دون تلك الطفرة ومنطقتنا خير شاهد على ذلك.

وأتعبت حكومات هذه الدول-التي فطنت لهذا المورد العظيم- نفسها في شيء واحد وهدف واضح تماما هو تنمية الإنسان ورفع كفاءته، ففاق بإنجازاته ما لدى الدول الأخرى من موارد على اختلاف أنواعها تدر مداخيل ضخمة دون تنمية حقيقية للإنسان.

هذا ليس كلاما انشائيا، نعم رفعوا قيمة هذا "المورد" وجعلوه غير ناضب أبدا، بتربيته أولا حتى لا يسرق ولا يختلس، لأن بذور الفساد المدمرة التي تقوض أى تنمية مهما تضخمت الأرقام المنفقة عليها تنمو جيدا في بيئة تعرف الرشوة والإختلاس والسرقة وقلة الضمير أو انعدامه.

تنمية الإنسان تشمل كل شيء بالتأكيد، لكن لدي قناعة أن التجربة اليابانية وخصوصيتها الفريدة مع الخراب الذي شهدته عقب الحرب العالمية الثانية كانت مميزة إلى حد كبير كونها "معجونة" تماما بصبغة محلية، فلا مانع من التواصل مع الغرب والتعلم منه، التجارة مع الغرب، الانفتاح عليه، لكن دون "تمزق داخلي"، دون فقدان للتقاليد والعادات المحلية أبدا.

وهذا ما ساعد "تويوتا" في تجاوز أزمة الاستدعاءات الشهيرة لسياراتها ابان الأزمة المالية العالمية والتي شملت عشرة ملايين سيارة بين عامي 2009، و2011، لم تفلس الشركة، لم يتم بيعها، تجاوزت الأزمة كما ترونها الآن، كيف تمكنت من ذلك؟ بالتأكيد بإدارتها الجيدة للأزمة عن طريق الكوادر التي تم تنميتها من جيل إلى آخر.

وبالإنتقال لدولة أخرى لها تجربة مميزة أيضا وهي ألمانيا، فقد استوقفني الأسبوع الماضي، خبر تجاوز "فولكس فاجن" لنظيرتها "تويوتا" لتتربع على عرش صناعة السيارات في العالم في 2016، وكيف تمكنت من تجاوز أزمتها "المدمرة" التي انطلقت شرارتها الأولى في سبتمبر/أيلول 2015 عن الغش في نتائج اختبارات الغازات السامة.

أشارت التوقعات حينها إلى إحتمالية انهيار الشركة واعلان افلاسها بعد مواجهتها غرامات ضخمة في الولايات المتحدة وحدها، ويبقى السؤال كيف استطاعت الخروج من أزمتها بل وتحقيق الهدف من الاستراتيجية التي وضعتها ادارتها قبل عشر سنوات؟

بالتأكيد هناك غرامات ضخمة دُفعت ولا يزال، فضلا عن استقالة واحد من أهم رؤسائها على الإطلاق والذي وضع خطة توسعها لتكون الشركة الأكبر عالميا في مجالها "فينتر كورون" قبل 10 سنوات، لكن في النهاية تحقق الهدف وفي ظل ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد.. وبالتأكيد الكادر البشري هو الأساس.

الغرب يفهم جيدا قيمة هذا المورد تماما، يعرف قيمته كلبنة أساسية في بناء الحضارة، لهذا قوبل قرار "ترامب" بالحظر المؤقت لدخول مواطني سبع دول اسلامية بإنتقاد شديد، فلو تخيلنا أن هذا الحظر كان مفروضا منذ زمن لم يكن السوري"عبدالفتاح جندلي" والد "ستيف جوبز" ذهب إلى هناك ولم تُؤسس "آبل"، وكذلك الشريك المؤسس لـ"أوراكل" "بوب ماينر" المنحدر من أصل ايراني، وغيرهما الكثير من الأمثلة خصوصا في "وادي السيلكون".

وربما بدا منطقيا تصدر دولة مثل فلندا قائمة مؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي لتنمية "رأس المال البشري" للعام الماضي تليها النرويج، والذي يهتم بتتبع جودة التعليم، ورعاية المواهب، وتنمية المهارات، وأماكن الدراسة وغيرها من المؤشرات الفرعية.

ستجد سويسرا ثالثا، واليابان رابعا، والسويد خامسا.. وستبدو مقتنعا بتصدر تلك الدول القائمة عندما تتخيل ما وصلت له تلك الدول من إنجازات في تنمية المورد الإنساني وتطويره بشكل ينعكس إيجابا على الدولة، على السلوك وحركة التنمية ذاتها وليس فقط مجرد التعليم فقط.

مع العلم أن أعلى دولة عربية في الترتيب كانت قطر في المرتبة الـ66، والامارات الـ69، والسعودية الـ87 وقبلها مصر الـ86.

ربما سخر البعض من المؤشر ذاته ومن نتائجه دون النظر بحياديه لما يطرحه، وهو في النهاية ليس إلا دلالة نسبية تقريبية للواقع الموجود على الأرض.

وفي النهاية يا سادة إذا كان النفط سينضب، فإن الإنسان مورد لا ينضب أبدا..فهلا نظرنا له واستغللناه بحق؟!!

خاص_الفابيتا