الأمان الوظيفي

17/01/2017 5
محمد العوفي

في سنوات خلت كان إقبال السعوديين على وظائف القطاع الخاص ضعيفا، وكان المانع ونقطة الارتكاز في مخاوفهم يتمحوران حول الأمان الوظيفي، وكانت الفرضية القائمة آنذاك أن القطاع الخاص لا أمان له، وقد يستغني عن ذلك في أي وقت بذرائع وحجج متعددة، وبقيت محاولات الإقناع لتغيير هذه النظرة مستمرة فترة طويلة من الزمن حتى بدأت نظرة كثير من السعوديين تتغير تجاه هذا القطاع وبدأت مخاوفهم تنحسر قليلا.

وبدأت محاولة توظيف السعوديين في القطاع الخاص بضغط من الجهات المعنية بالتوظيف (وزارة العمل والتنمية الاجتماعية) من خلال إطلاق عدد من برامج التوظيف التي تستند في رؤيتها على دعم القطاع من خلال تحمل نصف رواتب السعوديين، ودعم برامج التدريب على رأس العمل، ومكافأة الشركات والمؤسسات التي توظف سعوديين ماديا، في محاولة بناء جسر من الثقة بين طالبي التوظيف وقطاع الأعمال، أو في أقل الأحوال تغير نظرة كل طرف للآخر بدأت الصورة تتحسن تدريجيا، وارتفع إقبال الشباب على وظائف القطاع الخاص تدريجيا رغم ضعف مردودها المادي، ومحاولات التطفيش بضغط من عوامل عدة، منها ارتفاع نسب البطالة، وقلة الوظائف الحكومية، والآمال الكبيرة التي بنيت حول برامج التوظيف التي أطلقتها وزارة العمل وقدرتها في حماية الموظفين وتوفير الأمان الوظيفي.

هذا السيناريو المعد للتوظيف لم يستند على أرضية صلبة، ولم ينشأ عن قناعة وثقة كل طرف بقدرات الطرف الآخر، بل ولد من رحم الضغط واستخدام مبدأ العصا والجزرة، كربط منح تأشيرات الاستقدام بأعداد الموظفين السعوديين الذين توظفهم الشركة أو المؤسسة، والمكافآت التي تقدم للشركات التي توظفهم، لذا انهار هذا السيناريو بسرعة مع أول هزة تعرض لها القطاع الخاص، وبدأت حملات تسريح الموظفين السعوديين جملة وفرادى على مرأى ومسمع الجميع، لتنهدم كل جسور الثقة في وظائف القطاع الخاص من جديد، ونعود إلى نقطة غياب الأمان الوظيفي.

الأمان الوظيفي في حياة الموظف لم يكن هامشيا يوما ما، بل كان ركيزة أساسية في خيارات المفاضلة بين الوظائف، لأنه يتعلق بالطمأنينة على مستقبله الوظيفي ومستقبل أسرته، كي لا يجد نفسه بين عشية وضحاها يواجه الفصل التعسفي، لذا كان التوجه للوظائف الحكومية في الحقب الزمانية الماضية أسلم وأنجع طريقة لتجنب هذا المصير، واتباعا للحديث الشريف «قليل دائم خير من كثير منقطع»، كما أنه من أهم ركائز النجاح في أي منظمة، لأنه متى ما وجد الموظف الأمان الوظيفي فإن درجة الولاء للمنظمة يرتفع وينعكس إيجابا على تحفيز قدرات الموظف على العطاء والإبداع.

على أي حال، ما يدور في وسائل الإعلام حول الفصل الجماعي والفردي لبعض موظفي القطاع الخاص أي كانت مبرراته أعاد إحياء مفهوم الأمان الوظيفي من مرقده، ولن يمر بسهولة بل سيترك ندبة كبيرة في سياسات وزارة العمل وأنظمتها، ولا سيما أن أصابع الاتهام تشير إلى المادتين 74 و77 من نظام العمل اللتين منحتا الجهات كل الحق في تسريح الموظفين وفصلهم تحت ذرائع متعددة، وأن وزارة العمل مطالبة بتعليق وتعطيل العمل بهاتين المادتين موقتا، والعمل على تعديلهما بما يحمي حقوق الأمان ويعيد لهم الأمان الوظيفي، فالأنظمة لم تكن يوما نصوصا مقدسة، بل قابلة للتعديل والتغيير وفق ما يطرأ من تغييرات وأحداث أو استغلال تعسفي للأنظمة، وإلا فإن البطالة ستقفز عاليا بما يتجاوز توقعات وزارة العمل نفسها.

نقلا عن مكة