سياسة المحافظة على حصص إنتاج البترول

25/12/2016 6
د. أنور أبو العلا

في المقابلة التي أجراها معالي المهندس علي النعيمي مع صحيفة الفايننشال تايمز بتاريخ 18 نوفمبر 2016 (قبل حوالي الشهر) قال معاليه إنه هو وحده صاحب فكرة سياسة المحافظة على الحصص التي انتهجتها المملكة في نوفمبر 2014 وسارت على نهجها دول أوبك، وبالتالي تبعتها الدول المصدرة للبترول من خارج أوبك.

ثم بعد ثلاثة أيام من نشر مقابلة معاليه المذكورة أعلاه نشرت نفس صحيفة الفايننشال تايمز بتاريخ 21 نوفمبر موجزا لكتاب معاليه الجديد، وقالت الصحيفة رغم أن دول أوبك بقيادة المملكة تخلت الآن عن سياسة المحافظة على الحصة التي تبناها معاليه لأنها تسبّبت في التدهور الحلزوني في أسعار البترول على مدى السنتين الماضيتين وأتت بنتائج عكسية أضرّت بالمنتجين للبترول.

لكن استدركت الصحيفة قائلة إن معاليه لا زال يدافع عن صواب فكرته مستشهدا بمحاولة المملكة في الثمانينات خفض إنتاجها للدفاع عن السعر فاستغل المنتجون الآخرون الوضع لصالحهم على حساب حصة المملكة. ثم اقتبست الصحيفة قول معاليه بأنه سيترك التاريخ ليكون الحكم في الرد على القائلين بأن سياسة الحصص تسببت في إلحاق الضرر بالمنتجين حيث قال معاليه بالنص: ("let history be the judge").

صدق معاليه قد يكون التاريخ أحيانا اذا لم يُحرّف هو الحكم المُنصف. لكن ليس من المستساغ أن ننتظر السنوات الطويلة في انتظار أن ينطق التاريخ لنتعلّم الدرس، فالتاريخ حتى الآن لم يروي لنا تفاصيل حوادث السبعينات والثمانينات (التي استشهد بها معاليه) رغم أنه مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة؛ ولا شك أن معاليه يرحب ويتشوّق لسماع آراء الناس محليا في الحوارات الشيقة والمفيدة المتتالية التي درج أن يُجريها معاليه مؤخرا، حيث تُلاقي حواراته الاهتمام والإعجاب الشديد في الوسط الغربي المختص بشؤون الطاقة ليس فقط لإعجابهم بقصة نجاحه الشخصيّة الخارقة بل أيضا باعتباره أحد الخبراء النوادر في عالم البترول.

أنا لي ملاحظتان: أولا: أنا لديّ وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر معاليه للاستشهاد بالثمانينات على صواب سياسة المحافظة على الحصص (لكن سوف أؤجّل الحديث الآن عن هذه الملاحظة).

وثانيا: سأركز الآن على ملاحظتي الثانية أي سياسة المحافظة على الحصة فقط. كي يكون الحكم صحيحا يجب التفريق بين السلعة المتجددة كالسيارات والسلعة الناضبة كالبترول. سياسة المحافظة على الحصة تعني تلقائيا إغراق السوق بالسلعة منخفضة التكاليف لطرد السلعة عالية التكاليف من السوق. بالنسبة لمنتج السيارات بتكاليف منخفضة فإنه في صالحه أن يُغرق السوق بسياراته ليطرد منافسيه ويحتكر السوق وحده لكنه لا يستطيع أن يعمل هذا لأن قوانين الدول تمنع الإغراق لأنه يؤدي إلى الاحتكار.

أما بالنسبة لمُنتج (بالأحرى مُستخرج) السلعة الناضبة كالبترول فإنه ليس في صالحه بتاتا أن يُغرق السوق بسلعته الناضبة لكي يطرد منافسيه من السوق. لأن العمر الزمني لسلعته سينخفض، وبالعكس سيرتفع العمر الزمني لسلعة منافسيه فيكون المستقبل لصالح منافسيه وليس لصالحه.

الحقيقة ليس فقط أن زيادة معدل الإنتاج تُقصّر المدة الزمنية التي يصل فيها إنتاج الحقل إلى نقطة الانخفاض القسري، بل أيضا أن الإنتاج الفعلي عندما يستمر طويلا قريبا من الطاقة الإنتاجية التسهيلية يؤدي إلى حدوث مشاكل فنية في حقول البترول مثل غمر المياه المالحة للأبار مبكرا، وكذلك خفض الضغط الطبيعي في الآبار، وبالتالي انخفاض نسبة الاستخراج النهائي للبترول من الحقل.

هكذا فإن الحكم على إغراق السوق باسم المحافظة على الحصة لسلعة غير متوالدة (مورد ناضب) من الناحية النظرية الاقتصادية العلمية هو تصرف يتعارض مع النظرية.

كذلك الحكم من الناحية العملية من وجهة نظر وسائل الإعلام المتداولة لقد ألحقت سياسة الحفاظ على الحصة خسائر مالية مهولة لا تعوض لمصدري البترول فانخفض متوسط السعر من حوالي 100 دولار الى حوالي 45 دولاراً للبرميل مما أدى إلى تآكل احتياطاتهم المالية، وحدوث العجوزات في ميزانياتهم، وإعاقة تمويل خطط التنمية في بلادهم.

نقلا عن الرياض