لماذا يقود"رجل النفط" الخارجية الأمريكية الآن؟

20/12/2016 2
خالد أبو شادي

"دونالد ترامب" يؤسس ادارة أمريكية على طريقة رجال الأعمال والبزنس، وهذا الكلام تدعمه الأرقام وقيمة ثروات الأشخاص الذين اختارهم والتي تتجاوز في مجموعها 5.5 مليار دولار تؤكد ذلك، فأغلبهم له صلة بعالم "وول ستريت" بشكل أو آخر، وربما شعر بالطمأنينة من احاطته بمن يشبهه والطيورعلى أشكالها تقع خصوصا في عالم الأثرياء.

وربما كان اللافت للنظر والذي شغل الناس بإعتبار وزير الخارجية أرفع المناصب في الإدارة الأمريكية إختيار رجل من نوعية "ريكس تيلرسون" والذي كان على رأس ادارة جوهرة النفط الأمريكية اذا جاز الوصف "اكسون موبيل" لهذا المنصب.

هذه الشركة العابرة للقارات التي تعمل في أكثر من 50 بلدا تمكنت العام الماضي من حصد ايرادات ناهزت 269 مليار دولار رغم ما عاناه سوق النفط من تراجع الأسعار، وهي كمية ضخمة من الأموال كافية لوضعها حال اعتبارها اقتصادا قائما بذاته في المرتبة الحادية والأربعين في قائمة اقتصادات العالم للبنك الدولي.

دخل "تيلرسون" الذي ترعرع في تكساس الغنية بالنفط"اكسون موبيل" في عام 1975 وظل بها مدة أربعة عقود تقريبا، وشغل منصب رئيسها التنفيذي عام 2006، و"ترامب" يرى أنه أكثر من "مدير شركة"، لكن ثمة اصرار من الرئيس الأمريكي المنتخب يبدو واضحا على شحذ ادارته برجال البزنس، ودليل ذلك وضع الرئيس التنفيذي السابق لشركة "فورد"آلان مولالي" أيضا على قائمة المرشحين للمنصب بجانب شخصيات أخرى مثل"ميت رومني" المترشح السابق أمام "أوباما" للرئاسة.

البعض امتدح "تيلرسون" الذي تتجاوز ثروته ربع مليار دولار بقدرته على عقد الصفقات، والبعض يتوجس من معرفته الشخصية بالرئيس الروسي "بوتين" لدرجة حصوله على وسام الصداقة من الكرملين قبل ثلاثة أعوام، لكن ألم يستوقف البعض أعمق من ذلك؟ فهو يعرف "الرجل الثاني" في روسيا كما يصفه البعض وهو "ايجور ستيشن" الرئيس التنفيذي لشركة النفط "روسنفت".

"تيلرسون" على صلة بالرئيس "بوتين" منذ أواخر التسعينات، وهذا مصدر قلق لأجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تعتقد أن روسيا دعّمت "ترامب" للفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وربما يريد أن يتقرب منها عن طريق الرجل الذي يعرف رئيسها جيدا وعلى صلة شخصية به.

وهنا نقطة ضعف تحسب على "تيلرسون" ..لماذا لم يستطع استقراء المشهد جيدا طالما هو على صلة وثيقة بشخصية "بوتين" ويُجنب شركته خسائر قدرت بمليار دولار لمشروعات مشتركة في القطب الشمالي جراء العقوبات التي فرضتها بلاده مع الاتحاد الأوروبي على روسيا نتيجة تدخلها في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم عام 2014؟ بالطبع لم يستطع فالرجل لا يملك عين السياسي بل رجل الأعمال والمدير الذي يريد تعظيم العائد على حقوق مساهمي شركته وتوسعة رقعة أنشطتها.

نقطة ضعف أخرى لا أدري لماذا جرى تجاهلها تتعلق برهان "اكسون موبيل" على الغاز في 2010 بالاستحواذ على "اكس تي او انرجي" مقابل 35 مليار دولار، والتي لم تؤت ثمارها، وتدلل على أن الرجل ليس ناجحا دائما في عقد الصفقات.

وإذا كانت حسابات الإدارة الأمريكية بنيت على هذا الأساس-نجاحه في عقد الصفقات- فيجب أن تستعد لصدمات آتية لا محالة، لكن في المقابل فهو على معرفة بالجغرافيا السياسة في منطقة الشرق الأوسط بحكم تواجد عمليات لشركته بها، وربما يساعد "ترامب" –حال رغبته- في القضاء على تمويل داعش بتهريب البترول لخبرته في عالم النفط وتجارته.

يحتاج"تيلرسون" لتأكيد الحصول على المنصب بتصويت من مجلس الشيوخ وهذا محل جدال، لكنه يكتسب تأييدا من أثرياء الحزب الجمهوري الذين يمتلكون استثمارات في شركات النفط الصخري وبالطبع ينتظرون تعويض خسائرها الكبيرة في الفترة الماضية.

تحرك هذا الرجل على رأس الدبلوماسية الأمريكية خارجيا وفي ذهنه رسمت خريطة الطاقة العالمية، بالتزامن مع تحرك مواز داخلي لفتح الأراضي الفيدرالية أمام الاستكشاف والتنقيب يعني أن أمريكا تولي أولوية الاكتفاء الذاتي من الطاقة أهمية كبرى وهذا لن يأتي إلا بإعادة ترتيب الأوضاع خارجيا والبيت داخليا.

وتبقى الإشارة إلى أن "ترامب" يرفع شعار أمريكا أولا وأخيرا حتى مع رفضه اتفاقية المناخ الشهيرة في باريس واتفافية التجارة مع دول المحيط الهاديء"نافتا"، ويضع بلاده في صدام مصالح مع العالم وهو ما يصعّب كثيرا من المهام الخاصة بـ"رجل النفط" في وزارة الخارجية، لكنا علينا أن نتريث قليلا لنرى كيف سيكون تعاطي هذا الرجل مع وعوده بعد تنصيبه رسميا الشهر القادم فهي ستحدد كثيرا التوجه بالمضي قدما أو بدء سلسلة تنازلات كما يتصرف الكثير من السياسيين بعد تولي المنصب لمعرفتهم بحقائق صادمة لا يتم الكشف عنها دائما لمن هم خارج النطاق الرسمي للعبة السياسة.


خاص_الفابيتا