تحديات تواجه الصناعة المتقدمة في دول الخليج

05/12/2016 3
د. محمد بن ابراهيم الماجد

لابد من التعرف على حالة الصناعة في دول الخليج العربي لكي نناقش تطوير حلول لتأسيس صناعة متقدمة ومنافسة في دول الخليج. ويؤسس الفهم العميق لحالتها وتحدياتها لبناء حلول مبتكرة ومرتبطة بالبيئة المحلية وليست مستوردة من تجارب عالمية مبنية على خصوصيات اجتماعية وجغرافية وتاريخية لا يمكن الاستفادة منها محليا.

تتسم الصناعة في المنطقة بالتنوع في المجالات الاقتصادية التي تستهدفها وفي حجم الشركات العاملة بها وفي القدرة على الاستمرار والدعم المقدم من الحكومات. ويمكن الزعم بأن القوى العاملة الرئيسية في قطاع الصناعة تعمل في مؤسسات صغيرة ومتوسطة وهي في الغالب أجنبية حصلت على تدريبها محليا وتستخدم معدات صناعية مستوردة.

ويتداول الكثيرون أن الملكية الفعلية لهذه المؤسسات تعود لبعض هذه العمالة أو لمستثمرين أجانب تحت أسماء مواطنين. ولعل المراقب للوضع يرى التأثر السريع للصناعة المحلية بشكل عام وحساسيتها لأي أنظمة عمل أو رسوم جديدة.

وتبعاً لذلك فأن الصناعة المحلية تتفادى دفع التكاليف الرأسمالية العالية أو استخدام التقنيات التي يصعب توفير عمالة مدربة لها. ونرى أن المعدات والتجهيزات الصناعية المستخدمة متدنية التقنية وسهلة الصيانة. وكل فئة من العمالة تجلب معدات من دول معينة وتعتمد على قدراتها الذاتية في تشغيلها وصيانتها.

كما أن بيئات العمل في ظل هذا الوضع لا تتفق مع المعايير الدولية من ناحية الصحة والسلامة ولا تليق بمستوى دول الخليج العربي الاقتصادي والاجتماعي. 

وتفتقر الصناعة في دول الخليج بشكل أساسي الى خارطة صناعية استراتيجية شاملة ترسم سلاسل الامداد وسلاسل القيمة لكل قطاع. ونتيجة لذلك وفي كثير من الأحيان تنتشر صناعات محددة لدرجة الإغراق مما يترتب في خسائر فادحة للاقتصاد المحلي. ومن المؤسف أيضاً أن غياب هذه الخارطة الاستراتيجية يؤثر في أعمال الجهات التمويلية أيضاً كصندوق التنمية الصناعية السعودي. 

إن غياب الخطط الشاملة للصناعة يشل عمل أي جهة مهتمة بها حيث كمثال نرى التحديات تواجه مسؤولي التدريب والتعليم والبحث والتطوير والجهات التمويلية المختلفة وحتى القائمين على المدن الصناعية والاقتصادية وتطوير الاستثمار في المنطقة.

فكثير من خطط التدريب والتعليم تعاني من عدم وضوح متطلبات القطاع الصناعي للمهارات والكفايات الحالية والمستقبلية. ففي المملكة مثلا ستظل وزارة التعليم ممثلة بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تُدافع عن استراتيجياتها المختلفة مع استمرار بقاء متدربيها ومتدرباتها في عداد العاطلين عن العمل.

كما أن كثير من الفرص الاستثمارية الممتازة والاساسية لا تحصل على الدعم المطلوب نتيجة أن دراسات الجدوى الاستثمارية لها تبين عدم جدواها ويكون السبب عادة أنها بعيدة عن سلاسل امدادها. كما أن كثير من المدن الصناعية والاقتصادية تكون إما خالية من الشركات الصناعية أو مكتظة بشركات لا تترابط في سلاسل امداد محددة بل قد تكون متنافسة تنافسيا سلبيا. لابد من وضع خطط استراتيجية متكاملة ومتزامنة عند تأسيس الشركات الصناعية المترابطة وتأمين الكوادر الوطنية. 

وعليه فإن التحديات تبرز في أنه لا يمكن لدولنا أن تنافس دول العمالة الرخيصة في القطاعات التي تسيطر عليها وهي تستورد عمالتها منها كما لا يمكنها أن تنافس دول التقنيات العالية التي تستورد معداتها وتجهيزاتها منها وهي التي أيضا لم تنجح بعد في تطوير أنظمتها التعليمية ولا البحثية بشكل منافس.

ويجب التفكير في تأسيس صناعة محلية تأخذ في الاعتبار تحدي العمالة الرخيصة بالتحول نحو تقنيات متقدمة تحتاج لقوى عاملة عالية المهارة وتدخل في شراكات استراتيجية مع الشركات العالمية من خلال توحيد الطلب ورفع مستواه لضمان الحصول على الخدمات المتكاملة التي تحظى بها أسواق اقتصادية كبرى. 

وسيسهم هذا التعامل مع التحديين (العمالة الرخيصة) و(التقنية المتدنية) في وضع خطة استراتيجية واضحة للتدريب والتعليم في دول الخليج. حيث ستكون التخصصات المطلوبة ومحتوى التدريب مبنية على متطلبات التقنيات العالية وتبنى المعامل وفقا لها أيضا.

كما التفكير في القفز نحو المستقبل بتطبيق مفاهيم الصناعة الموزعة بدلا من التجمعات الصناعية قد يسهم في اشراك شرائح كبيرة من المجتمع ومن الجنسين مع أهمية ذلك في البعد الأمني والسياسي. وسيكون مناطا بمراكز الأبحاث في المنطقة أن تعمل مع نظيراتها العالمية من خلال ترتيبات الشراكة مع الشركات العالمية المهيمنة على مجالات البحث والتطوير في الوقت الراهن.

في المقال القادم نناقش المستوى العالي المطلوب للتقنيات المستخدمة في الإنتاج ودور الصناعة-4 المقترح فيها.

خاص_الفابيتا