لمن رفعت "أوبك" الراية البيضاء؟

02/12/2016 9
خالد أبو شادي

خرج وزراء النفط بدول "أوبك" من الاجتماع الأخير في الثلاثين من  نوفمبر/تشرين الثاني تعلو وجوههم ابتسامة الرضا بالإجماع على قرار جاء متجاوزا توقعات معظم المتابعين لتحرك تلك السلعة الاستراتيجية.

لكن يبقى هناك اختلاف في توصيف ما تحقق.. هل "أوبك" تقول أنها لا زالت موجودة ويمكنها قيادة سوق النفط؟ هل  هو اقرار بعدم القدرة على تحمل التبعات الضخمة لتراجع الأسعار؟ وتضرر ميزانيات الدول الأعضاء إلى حد الفوضى الاقتصادية كما تعيش فنزويلا التي يوزن فيها النقد ولا يعد عند شراء السلع مع استفحال التضخم؟

أم أن "أوبك" مارست "الجرى في المكان" فقط لتسليط الضوء عليها مجددا، فبعد خلاف استمر قرابة عام مرورا بإجتماع الدوحة الشهير في أبريل/نيسان الذي انتهى بعدم الاتفاق على تجميد الانتاج لمشاكسة ايرانية وعدد كبير من الاجتماعات الفنية عادت "أوبك" لمربعها الأول عند بداية العام الحالي فخفض الانتاج إلى 32.5 مليون برميل يوميا المزمع تفعيله في يناير/كانون الثاني 2017 ليس إلا عودة لذلك المربع الصفري.

فهل ماطلت "أوبك" لاستغلال الوقت؟ ومنع المزيد من تراجع الأسعار بعد هبوطها دون الثلاثين دولارا بداية 2016؟

لا أعتقد ذلك فالخلافات كانت واضحة أمام الجميع، لكن المؤكد دائما أن السياسة تتدخل في اللحظة الأخيرة لحسم الموقف، كما حدث في اجتماع الأربعاء الماضي والدور الروسي الذي سلطت "رويترز" الضوء عليه للتوفيق بين الموقفين السعودي والايراني.

"أوبك" تراه نصرا وعودة لقيادة السوق، حيث تمكنت من اقناع روسيا ومنتجين آخرين خارجها بالانضمام للاتفاق، لكن "سي ان ان" تراه رفعا للراية البيضاء أمام التحدي الذي فرضته المنظمة على نفسها عندما تركت الأمر للسوق خلال عامين ماضيين.

فالسعودية وشركائها في المنظمة تضرروا أيما تضرر وميزانياتهم شاهدة، بينما خرج منتجو النفط الصخري من تلك المحنة أقوى وأقدر على المنافسة كما ترى العين الأمريكية الأمر.

حتى أن مستشار الطاقة في فريق "ترامب" وهو الرجل الشهير في عالم النفط "هارولد هام" تكلم بلغة مفرطة في التفاؤل عندما قال أن أمريكا يمكنها مضاعفة انتاجها النفطي ليقترب من 20 مليون برميل، لكن هناك تخوف على السوق...أحقا تهتم لأمر السوق يا "هارولد"؟!

هذه اشارات لا أراها جيدة حتى وان كانت غير منطقية الحدوث، إلا أن اللغة المستخدمة من "ترامب" ومعاونيه تشجع على خطاب استعلائي ضار بالاقتصاد العالمي.

الأمريكان يرون أن "أوبك" وقعت في فخ أكبر من امكانياتها للفرار من شراكه، ولفت نظرى تعبير "مات سميث" من "كليبر داتا" التي تتابع تحركات شحنات النفط وترصدها عندما قال : أوبك لم تستطع ذبح التنين (النفط الصخري الأمريكي).

وبين انتصار "أوبك" حيث يرى البعض واخفاقها كما يرى جزء آخر من العالم بعض الملاحظات والاستنتاجات التي يمكنني تلخيصها في النقاط التالية اختصارا للوقت:

- الأثر السلبي لهبوط الأسعار كان له دورا بارزا في التأثير على أعضاء أوبك حتى أنهم "ضحوا" ضمنيا بإندونيسيا التي رفضت خفضا فوق طاقتها عند 37 ألف برميل، وأقصى ما يمكنها تحمله 5 آلاف برميل فقط فطلبت تعليق عضويتها.

- رغم أن نسبة الخفض متساوية لكل دولة من "أوبك" عند 4.5 % من انتاجها، إلا أن البعض يرى تحمل السعودية 486 ألف برميل يمثل "التضحية الأكبر" من اجمالي الخفض الكلي 1.8 مليون برميل (1.2 مليون لأوبك و600 للدول خارجها).

- على الجانب الأخر يرى بعض المراقبين ومنهم المهندس "عثمان الخويطر" النائب السابق لأرامكو أنه كلما كبرت المساهمة في الخفض كان ذلك أفضل للحفاظ على تلك الثروة الناضبة، وهذا يعني ان التنازلات التي يتوهم البعض ان السعودية قدمتها هي انجاز في عين آخرين.

- ترى "رايستاد نرجي" ان اتفاق "أوبك" قدم هدية على طبق من فضة للنفط الصخري الأمريكي الذي يمكنه رفع انتاجه مليون برميل بعد عام تقريبا أى في 2018.

- اتفاق "أوبك" قد يكون مجرد زوبعة في فنجان فالسوق كانت في طريقها للتوازن مع تراجع استثمارات الطاقة، لكن وزير النفط القنزويلي يرى انه سيخلص السوق من 300 مليون برميل فائضة.

- هناك قلق من عدم التزام دول "أوبك" بحصص الخفض وهو شيء ثابت في تاريخ تحديد سقفها الانتاجي لسنوات طويلة سابقة، وكذلك روسيا التي قد تواجه ضغوطا من الشركات المنتجة.

- سوف يساهم قرار الخفض في تقليص تخمة المخزونات التي حذرت منها وكالة الطاقة الدولية الشهر الماضي والتي قد تتواصل في 2017.

-رفع الفائدة المتوقع من الاحتياطي الفيدرالي بعد بيانات النمو القوية في الربع الثالث وتقرير الوظائف الأخير وتراجع معدل البطالة سيساهم في رفع الدولار ومن ثم الضغط على النفط.

- الارتفاع الأخير للأسعار بعد قرار "أوبك" جاء نتيجة تغطية مراكز راهنت على انخفاض النفط، ومن ثم الحديث عن تواصل هذا الارتفاع في قادم الأيام محل شك.

- السياسة تخدم سوق النفط دائما وتتدخل في معادلته، ولذا يكون من الصعب توقع تحركه بشكل دقيق.

وفي النهاية تبقى الإشارة إلى أنه مهما كان الخلاف على نتيجة الإجتماع وهل استسلمت "أوبك" أو عدلت مسارها أم مارست جريا في المكان، فإن عامل الزمن هام للغاية في توثيق مصداقية القرار والخفض، وهذا ما ستجليه الأيام القادمة فهل ستعيد دول المنظمة تاريخها بعدم الالتزام أم ستبدأ صفحة جديدة مع نفسها والعالم؟

 

خاص_الفابيتا