اتحاد أم تعاون والهيئة الخليجية الوليدة؟

29/11/2016 1
د. إحسان بوحليقة

تؤكد الظروف المحيطة ضرورة أن نعمل سويا، فهناك ما يبرر القول إن العمل الخليجي المشترك إنما هو لمثل هذه الظروف. هناك من اختطف الأمر سريعا، عندما قولب الطرح في أُطر تقليدية معلبة مثل الكونفدرالية أو الفدرالية في الخليج، فكانت ردة الفعل أسرع، فهل كان هذا هو القصد في الأساس؟ أدرك أن هناك من لا يرى ضرورة للانتقال من مرحلة التعاون للاتحاد، لأسباب تتعدد ولاعتبارات تتنوع، لكن بالمقابل هناك من يريد أن يعبرّ لمرحلة الاتحاد، ولديه أسبابه ومبرراته واستدلالاته المتنوعة.

السؤال: هل الاتحاد يعني كونفدرالية؟ وحتى في حال تجاوزنا هذا السجال، فسنجد أننا أمام فريقين: اتحاديون وتعاونيون، ومحور الجدل هو: كيف نتحد ونحن لم نتعاون بما فيه الكفاية، مقابل لنتحد فقد تعاونا بما يكفي! لكن ثمة فريق ثالث، وقبل الحديث عنه يجدر التذكير أن دول مجلس التعاون، قبل أن تُؤسس منظمة إقليمية سمتها «مجلس التعاون لدول الخليج العربية»، كانت نسيجا اجتماعيا واحدا واقتصادا متكاملا مندمجا، ولا يجدر بنا الظن أن قيام المجلس -مع وافر التقدير- هو مَن أوجد الأواصر الاجتماعية وأنشأ الصلات الاقتصادية، بل بوسعي القول أنه قنن وقيدّ، إذا ما قارنا بين الحال ما قبل وما بعد!

ولا يغير من تلك الحقيقة استقلال الدول وتعاظم مداخيلها من النفط، فكل ذلك لم يؤثر على الواقع الراسخ في شيء؛ فتاريخيا، هي دول تنادمت مع الفقر سويا وانتقلت إلى الثراء في حقبة واحدة، وبقيت مجتمعا عربيا واحدا موزعا على جغرافيا جزيرة العرب وتخومها. ومادام أن الحكومات استطاعت تكوين سياج يحافظ على وظائفها الحيوية، ولاسيما ما يتعلق بالجوانب العسكرية والأمنية، فلا أقل من أن تبذل جهدا جماعيا للتعجيل باستعادة المجتمع الخليجي لكامل تقاربه على مستوى الأفراد والأسر ومؤسسات المجتمع المدني من جهة، وإزالة التقسيمات الاقتصادية التي تؤدي لا محالة لتوليد اقتصادات متنافسة يسعى كل منها لالتقاط الفرصة أولا! ولا بأس أن يزدهر التنافس بين الفرقاء، أما بين الشركاء فلا معنى له بل يُصبح عنصر إيذاء.

لكن ما منبع هذا التنافس؟ لعل الإجابة الأقرب هي أن زخم التكامل الخليجي أضعف من بريق انفراد كل دولة مجتمعيا واقتصاديا. هنا تبرز نقطة قرار، إذ لا مفر من الاختيار بين التكامل أو الانفراد. ويبدو أن ما يحدث في مجلس التعاون هو خلط بين الحالتين؛ قررنا التكامل لكننا نمارس التفرد عبر تأجيلنا وتسويفنا للاندماج!

هكذا، يمكن تفسير سبب التأخر -ولا أقول التعثر- في تحقيق تطلعات النظام الأساسي لمجلس التعاون، حيث إننا تبنينا منهجا ارتكازيا مؤداه أنه ليس بوسع المواطن الخليجي (الطبيعي والاعتباري) ممارسة أي نشاط إلا بقرار، في حين كان بوسعنا أن نقول: يجوز لمواطني دولنا ممارسة أي نشاط إلا ما يستثنى بقرار. هذا هو الفرق الجوهري بين صيغتي التعاون والاتحاد ولا محل للصيغ المقولبة.

ما استجد مؤخرا، هو إنشاء هيئة الشئون الاقتصادية والتنمية لدول مجلس التعاون، وقد عقدت اجتماعها الأول بالفعل قبل أسبوعين.

وتهدف الهيئة الوليدة إلى بحث ومناقشة المواضيع الاقتصادية والتنموية التي تهم دول المجلس واتخاذ القرارات اللازمة حيالها، والنظر في السياسات والتوصيات والدراسات والمشاريع التي من شأنها تطوير التعاون والتنسيق والتكامل بين الدول الست في هذه المجالات، والتعامل الفعال مع المستجدات الاقتصادية والتنموية الإقليمية والعالمية، ومتابعة تنفيذ وتسريع قرارات واتفاقيات وأنظمة مجلس التعاون المتعلقة بالجانب الاقتصادي والتنموي، والنظر في الموضوعات التي تحال إليها من قبل المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون، وترفع لها من اللجان الوزارية في إطار المجلس.

وخلصت الهيئة في اجتماعها الأول إلى أن الوقت قد حان لإحداث نقلة نوعية لآفاق أرحب ترفع من جودة الحياة، وتعزز من فاعلية الاقتصاد الخليجي وقدرته التنافسية، ومن مكانة ودور دول المجلس في الاقتصاد العالمي. على الحاجة الملحة لمزيد من التطوير في القطاعات الاقتصادية القائمة، بحيث تسهم بصورة أكبر في دفع عجلة النمو الاقتصادي قدما وتخلق لها روافد ومسارات متعددة إضافة الى المسار الخاص بالقطاع النفطي، وذلك عبر مرونة عالية وقدرة فائقة على استقطاب الاستثمارات ورفع تنافسية قطاعاتها الاقتصادية.

وتحديدا، خلص الاجتماع الأول للهيئة للنقاط الخمس التالية: 1) اتخاذ جميع القرارات والخطوات التنفيذية التي من شأنها الارتقاء بالعمل الاقتصادي الخليجي المشترك وتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال، 2) وضع جميع القرارات الاقتصادية التي سبق اتخاذها ولم تنفذ أو نفذت بشكل جزئي موضع التنفيذ الكامل والسريع واعتماد الآليات اللازمة لذلك، 3) إجراء مراجعة شاملة للسياسات والبرامج والمبادرات الاقتصادية والتنموية لمجلس التعاون بهدف تطويرها، وضمان كفاءتها، وفاعليتها، وفقا لأفضل الممارسات الدولية المتبعة، 4) تهيئة جميع العوامل القانونية والهيكلية والمالية والبشرية اللازمة لتطوير البعد الاقتصادي للعمل الخليجي المشترك، والوصول به إلى المستويات المتقدمة التي تم إحرازها في العديد من الميادين والمجالات الأخرى، 5) الاهتمام بالشأن الشبابي، وتوفير جميع أوجه الدعم والمساندة للابتكار ولرواد الأعمال من الشباب على النحو الذي يكرس دورهم كرافد أساسي من روافد الاقتصاد الخليجي، ومعين لا ينضب للأفكار الجديدة والمبدعة في الأنشطة الاقتصادية كافة.

نقلا عن اليوم