تجربة صندوق الاستثمارات العامه المريرة

24/11/2016 24
فواز حمد الفواز

بعض الامور لا تتغير، لهذه المقولة مرد  فلسفي حيث ان طبيعه البشر لا تتغير و لها مرد عملي أيضاً حين نعيد نفس الممارسات لعل النتيجه تكون مختلفة، هذا الاخير هو تعريف إنشتاين للجنون. هذه الجدليه قادتني لتذكر تجربة المملكه في العقود القليلة الماضيه وخاصة في الاستثمارات الخارجية. بدات حياتي العملية بالعمل في ادارة رصيد المملكه الخارجي لدى مؤسسة النقد حتى استقلت في 1988.

كانت تجربة ثرية عمليا وعلميا امتدت لأقل من اربع سنوات تخللها انهاء دورة جى بي مورقان كأول مشارك من مؤسسة النقد. حين بدات الفوائض المالية رأت المالية/ مؤسسة النقد الاستعانه بشركات خبرة بدأت بعدد قليل من الخبراء لإدارة الرصيد العملية وتدريب عدد من السعوديين وتدريجيا تمكن الفريق السعودي من السيطرة على المهام، بل ان السعوديون استطاعوا توسيع وتعميق دائرة الاستثمار والاستغناء تمام عن الخبراء.

ولذلك حين قرات عن تعيين فريق اجنبي جديد لإدارة صندوق الاستثمارات العامه تذكرت تجربة المملكه وطبيعة الاختلاف القيادي الذي بدا من الصفر وانجز الكثير ليس على مستوى الادارة الفنية للاستثمارات فقط وانما ما هو اهم: إرساء القاعدة البشرية والمؤسساتية التي خدمت المملكه لثلاثة عقود، كانت هذه القاعدة جاهزة لانطلاقة جديدة ولكنها خذلت حين جاء فريق جديد منذ عشرون سنه، فبعد تجربة وتزايد لافت في الاعداد والمؤهلين والتحديات لم يرتقي الصندوق لمستوى التحدي الى ان وصلت الامور الى هذ الحالة وكأننا لم نتعلم شيء.

عدم التعلم بسبب النقص القيادي في العشرين سنه الماضيه قاد الى ان وصل المسؤول الى حالة من رد الفعل العنيف في اعادة التجربة و كأننا لم نتعلم. سعر التعلم عالي وسعر اعادة التعلم اعلى و كما العادة تاتي هذه التكاليف في الوقت الخطأ ماديا ومعنويا.

سبق و ان كتبت عن الصندوق (الاقتصادية: مؤسسه مهمه في الظل: صندوق الاستثمارات العامه تاريخ 4 ديسمبر2007). منذ تأسيس الصندوق وهو يعمل كالذراع الاستثمارية للحكومه تحت مظلة وزارة المالية. و قام بدور مؤثر خاصة في الكهرباء مع بداياتها والصناعات البتروكيماوية وصناعات اخرى والمصارف خاصة ان الكثير من هذه الاستثمارات  لايمكن لها ان تقوم دون دور حكومي حاسم.

تعقدت هذه الاستثمارات بينما لم يطور الصندوق كفاءة الجهاز فنيا او بشريا إذ سبق لي زيارة الصندوق اثناء عملي المصرفي، بل ان التعامل مع القطاع الخاص كان على مسافة غير صحية. هذا عن الماضي وما وصلت اليه الحالة اليوم، اليوم هناك تغير في الاستراتيجية و في دور الصندوق. 

ليس لدي معرفة في طبيعه الاستراتيجية الجديدة ولكن يبدو من معالمها ان الرصيد الأجنبي سوف يدار من خلال وظيفتين، الاولى تحت مظلة مؤسسة النقد لتوفير السيولة النقدية وغطاء للعملة بينما الثانية تحت مظلة الصندوق لوظيفة الاستثمارات الداخلية و الخارجية  من خلال صندوق سيادي.

من ناحية المبدا يبدو ان هذه الطريقة الأمثل ولكن هناك عدة محاذير. الاول يقال دائماً التوقيت في المال احيانا كل شيء، تحتاج المملكه الى اعادة السيطرة المالية: درجه اعلى من التوازن المقبول بين دخل الحكومه ومصروفاتها ولذلك تاتي هذه الهجمه الاستثمارية في وقت غير عادي، في حالة من هذا النوع يتراجع دور الاستثمارات الخارجية وخاصة لما تكون مضاربيه الطابع مثل الاستثمار في أوبر (ألفا بيتا: مطب صندوق الاستثمارات العامه للكاتب) وسوفت بنك.

تاريخيا لدى المملكه نقص في الاستثمارات الداخلية وكما أثبتت تجربة الصندوق لابد للحكومه من قيادة هذا الجهد الذي يتطلب كفاءة عالية. الثاني ليس لدى المملكه القدرة التنظيمية و البشرية لتعويض عيوب عقدين ونصف في سنوات قليلة و حتى تعيين الاستشاريين والاستعانه بمدراء للصندوق لن تغني عن العمل المباشر والمسألة والتعلم المباشر للسعوديين.

الثالثة لابد من تفادي الانجراف نحو سياسة تخصيص عمياء في ظل حوكمه ضعيفة في القطاع الخاص، بل انها اضعف في القطاع الخاص منها في العام. الرابعة بالرغم من ان المملكه استطاعت الاقتراض من سوق السندات العالمي بحجم وسعر وتوقيت مقبول الا ان التمادي في الاقتراض وخاصة لما تكون بعض الاستثمارات مضاربيه  الطابع يحمل مخاطر كثيرة (خاصة في ظل المحذور الاول) ومنزلق خطير.  

من هذا المنطلق أجد التوسع في دور الصندوق عالميا والاستعانه بادارة أجنبية  مباشرة تطور غير مريح. هناك طبعا مكان للاستثمارات الاجنبية ولكن يحبذ ان تكون محدودة مرحليا وان تكون مكملة لتوجهات المملكه صناعيا وخاصة في الطاقة والصناعات المكملة في قطاع  البيتروكماويات.

ولكن هناك أيضاً بعد بشري ومعنوي اخر، إذ ان لدى المملكه  فرصة للتعلم والتكامل، فمن ياتي هنا سوف يعطيك رأي بعيد يعرف انه لن يبقى طويلا للمسألة وسوف يستفيد اكثر مما يفيد. يبدو ان النهج الجديد ان تلاحق ما يقوم بة الاخرين دون مرجعية قائمة على قراءة  استراتيجية بعيدة الأجل.

حال المملكه مختلفه عن ابو ظبي وأيضاً مختلفة عن النرويج و لذلك لابد من ايجاد طريق خاص فينا. يبدو لي اننا لم نمارس فكر أصيل للوصول للمعادلة المناسبة لنا.

لا شك في مؤهلات هؤلاء ولكن الخيار بين سعودي قريب التأهيل وفرصة لاختيار نخبة جديدة اعلى قيمه معرفية للمملكه من توظيف هؤلاء، الاحرى قراءة الحالة في مركز الملك عبدالله للدراسات البترولية لمعرفة ان توظيف الغير السعوديين  في مراكز قيادية مزلق غير مربح. 

الاحرى ان يدار الصندوق بعين على الاستثمارات الداخلية وجزء ليس كبير نحو الاستثمارات الخارجية بما يناسب لرؤيتنا للاقتصاد الوطني بعد عدة سنوات. وان يدار من قبل سعوديين وهذا لا يمنع من الاستعانه بخبراء أجانب لفترة او مراجعه اداء السعوديين لكي يتمكن صاحب القرار من الحكم المجرد.

تفعيل الكفاءة في الاستثمارات الداخلية يرفع سقف الحوكمه في المجتمع والشركات الخاصة. الاندفاع خلف المال خارجيا ليس استثمارا لبلد نامي يعاني من تشوهات اقتصادية خاصة ان المملكه لجأت لإقتراض الخارجي وهناك أفق تغيرهيكلي في اسعار النفط. نحتاج اعادة سيطرة على المال العام والتوجه نحو الاستثمارات الداخلية ورفع كفاءتها.

خاص_الفابيتا