كيف ستؤثر سياسات ترامب النفطية على دول الخليج؟

15/11/2016 5
د.أنس الحجي

إذا استطاع دونالد ترامب وفريقه تحقيق ما قالوه قبل الانتخابات في مجال الطاقة فإن ذلك سيقلب كثيرا من الموازين، ليس على مستوى الولايات المتحدة فحسب، بل في العالم أجمع. وسيؤثر ذلك في دول الخليج سلبا وإيجابا. ويتطلب تحليل هذه السياسات وآثارها صفحات عديدة، لذلك سأكتفي في هذا المقال بالسياسات التي لها تأثير مباشر على دول الخليج، مرتبة حسب أهميتها وإمكان حدوثها.

1. خط أنابيب كيستون

هذا الخط سينقل ثمانمئة ألف برميل من النفط يوميا من ألبرتا في كندا إلى مركز كوشينغ في ولاية أوكلاهوما الأميركية، ومنها إلى هيوستن وخليج المكسيك. وقد انتهى جزؤه الأسفل من كوشينغ إلى خليج المكسيك ويعمل منذ فترة. وبنيت أجزاء كثيرة منه في الشمال، أما الجزء العابر للحدود، ويقع قانونيا تحت سيطرة وزارة الخارجية، فلم يبن بعد، لأن الرئيس أوباما أخره سبع سنوات ثم استخدم سلطته الرئاسية لمنعه إرضاء لحماة البيئة.

وبناء على معلومات مسربة من الدائرة الداخلية لترامب ستتم الموافقة عليه في فبراير/شباط 2017، أي خلال الأسابيع الأربعة الأولى من تسلم ترامب للسلطة، خاصة أن كبار الجمهوريين طلبوا رسميا من ترامب الموافقة عليه في أسرع وقت ممكن، ويرى البعض أنه إذا نجح الأنبوب فستعد أنابيب أخرى موازية له.

لماذا يشكل هذا الأنبوب خطرا على دول الخليج؟ لأن نوع النفط الإضافي الذي سيأتي من كندا مماثل لنوع جزء كبير من النفط الذي تستورده الولايات المتحدة من السعودية والكويت والعراق، وبهذا فإن جزءا من الزيادة، ان لم يكن كلها، ستكون على حساب الحصة السوقية لهذه الدول. وقد تؤثر في حصة فنزويلا أيضا، لأن نفطها من النوع نفسه، إلا أن الولايات المتحدة هي السوق التقليدي لفنزويلا، لأن مسافة الشحن من فنزويلا إلى هيوستن تبلغ ربع المسافة من الخليج إلى هيوستن. وفي هذا السياق لا بد من ذكر نقطة هامة، وهي أن أي أثر سياسي مرتبط بالشرق الأوسط أو فنزويلا سيكون مؤقتا مقارنة بعمر الأنبوب الافتراضي، لهذا فإن العوامل السياسية المؤقتة لن يكون لها دور في القرار المتعلق بالأنبوب.

ولتدفق النفط الكندي إلى المصافي في هيوستن نتيجتان حتميتان؛ الأولى أن طلب كندا على البنزين الطبيعي الأميركي، الذي يعد من الغازات السائلة التي توجد في آبار الغاز، سيزيد لأنه يستخدم لتمييع النفط الكندي المستخرج من الرمال النفطية. وهذا يعني فائدة مباشرة لمنتجي الغاز الأميركيين. والثانية أن وجود النفط الكندي الثقيل والمعدّل مع النفط الصخري الخفيف الحلو سيمكّن المصافي ومعمل المزج من إنتاج مزيج نفطي مماثل تماما لما يستورد من أي دولة شرق أوسطية، وهذا بدوره سيخفض حصة هذه الدول في الأسواق الأميركية. الجدير بالذكر أن عمليات المزج تعتمد إلى حد كبير على فروق السعر بين الأنواع المختلفة من النفط. هذا يعني أن للأميركيين فائدة أخرى من بناء الأنبوب.

وهناك فائدة إستراتيجية أخرى للأميركيين من الأنبوب، ومفيدة لدول الخليج في الوقت نفسه؛ فإذا اقتنع الكنديون أن الأميركيين لن يسمحوا ببناء الأنبوب فإن شركات صينية تخطط لبناء أنبوب لغرب كندا وشحن النفط من هناك بالسفن إلى الصين والدول الآسيوية الأخرى. هذا يعني أن الولايات المتحدة ستفقد السيطرة على هذه الإمدادات لصالح الصين.

باختصار، بناء هذا الأنبوب وما يليه سيكون على حساب جزء من الحصة السوقية للسعودية والكويت والعراق.

2. العلاقة مع إيران

هدد ترامب مرات بأنه سيلغي الاتفاق الذي عقده أوباما مع إيران بخصوص برنامجها النووي، الذي نتج عنه إلغاء كثير من العقوبات الاقتصادية وإعادة أموال مجمدة كانت في البنوك الأميركية.

إعادة العقوبات تعني انخفاض صادرات إيران من جهة، وإعادة التوتر للعلاقات الأميركية الإيرانية من جهة أخرى. الأولى سترفع أسعار النفط، والثانية ستسهم في زيادة ذبذبة أسعاره.

وإلغاء الاتفاق الأميركي مع إيران سهل، لأنه تم أصلا بقرار رئاسي من أوباما بلا موافقة من مجلس الشيوخ. لهذا يمكن لترامب أن ينقضه بقرار رئاسي. وإذا أحس البيت الأبيض أن قرارا كهذا قد يسبب ردة فعل إيرانية-أوروبية لا تحمد عقباها فإن كل المطلوب قانونا هو أن يقدم البيت الأبيض تقريرا للكونغرس بأن إيران لم تلتزم بشروط الاتفاق، مما يجعل الكونغرس يلغي الاتفاق.

لكن يرى البعض أن ترامب قد يلجأ إلى تعديلات طفيفة في الاتفاق من دون إلغائه. ويرى آخرون أن على ترامب الضغط على إيران بما يرغم الحكومة الإيرانية على إلغاء الاتفاق بنفسها، وذلك بمطالبة إيران بالالتزام حرفيا بالاتفاق، وهذا يتطلب تفتيشا دوليا للمنشآت الإيرانية، وهذا سترفضه إيران، وقد يجبرها على الانسحاب من الاتفاقية.

أما في مجلس الأمن فإن الأميركيين لا يستطيعون إعادة العقوبات الدولية على إيران كما كانت، لتوقع قيام روسيا وربما الصين باستخدام حق الفيتو. لهذا قد يطلب الأميركيون التصويت على قرار بصيغة معينة تجبر الدول المختلفة على التوقف عن الاستمرار في رفع العقوبات. ويتم ذلك عن طريقة تقديم صيغة قرار تتعلق بالاستمرار في رفع العقوبات عن إيران. عندها ستستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو، فينتج عن ذلك وقف الاستمرار في رفع العقوبات ويبقى ما تبقى من عقوبات على إيران.

في هذه الحالات ستنخفض صادرات النفط الإيرانية وسترتفع أسعار النفط، ولكن ليس بشكل كبير، لأن إيران ستعود إلى تصدير جزء من صادراتها على أنها نفط عراقي، وستقوم بتخزين النفط في ناقلات ضخمة، كما ستستخدم النفط في محطات الكهرباء وتصدير الكهرباء للدول المجاورة. وستعاني إيران من ضائقة كبيرة إذا استطاعت الولايات المتحدة ضم صادرات الكهرباء للعقوبات، واستخدمت أسطولها في الخليج للتأكد من مصدر النفط. عندها قد تحقق أسعار النفط ارتفاعا ملحوظا.

3. الحماية لخطوط الملاحة بالخليج

صرح ترامب مرات بأنه سيجبر دول الخليج على دفع تكاليف الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة لها، خاصة تكاليف الأسطول البحري في المنطقة. ولا يمكن القول إن ما قاله عندما كان مرشحا هو دعاية انتخابية، لأنه صرح في جلساته الخاصة بأنه من غير المعقول أن يتحمل دافع الضرائب الأميركي نفقة حماية الخليج بينما تنعم دول الخليج بدخول وثروات عالية.

وقبل الخوض في التفاصيل، لا بد من ذكر أن ما يخيفني شخصيا هو أن ما يعرفه ترامب عن دول الخليج هو حياة أغنى الأغنياء الذين يعرفهم من العواصم الخليجية، وليس دولا برمتها بفقرائها وموظفيها ومشاكلها المختلفة.

ومن الواضح أن التهديد بسحب الحماية الأميركية للخليج يصطدم بفكرة تحجيم إيران، كما قد يصاب ترامب بالصدمة إذا كان رد الخليج: لن ندفع شيئا، ونرحب بقرارك مغادرة المنطقة. وسيصدم أكثر لو حلت البوارج الصينية والروسية محل الأميركية... مجانا!

إلا أن مغادرة الأميركيين للمنطقة تعني مباشرة رفع التأمين على شحنات النفط من الخليج، وهذا سيرفع الأسعار على المستهلكين، ولكن لا يعني بالضرورة ارتفاع عوائد المنتجين. كما قد يعني مشاكل سياسية جديدة إذا تسابقت دول المنطقة مع الصين وروسيا للسيطرة على مضيق هرمز.

هناك أمور أخرى لها تأثيرها لا مجال لذكرها بسبب ضيق المساحة، منها احتمال انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات المناخ، خاصة اتفاقية باريس، وتشجيع إنتاج النفط والغاز المحليين، واحتمال إلغاء وزارة الطاقة ووكالة حماية البيئة، وتشجيع إنتاج الفحم، وإلغاء إعانات الطاقة المتجددة، وإلغاء الإعانات والإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية، واحتمال إلغاء بعض القوانين المرتبطة بزيادة استخدام الإيثانول. كل هذا من شأنه زيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة وزيادة الطلب على النفط.

خلاصة القول أن انتخاب ترامب أحدث هزة عالمية في كل المجالات، من أهمها مجال الطاقة. وإن يكن بعض القرارات السياسية دافعها اقتصادي مثل خط أنابيب كيستون، فإن بعض القرارات ستكون سياسية بحتة يصعب التنبؤ بنتائجها.

نقلا عن الجزيرة نت