هل يستحوذ القطاع الصحي على النمو الاقتصادي؟

26/10/2016 0
طارق الصقير

لا يزال بائعو التفاح يكررون مقولة دارجة بأن تناول تفاحة في اليوم تغنيك عن الطبيب، ولا تجد في ردهات الفنادق او قاعات المكاتب إلا وقد خصصت مكانا لثمار التفاح اشارة الى تعزيز الصحة العامة. ولكن واقع الحال يؤكد ان الحصول على الرعاية الصحية هو احد اولويات كل فرد يحاول الحفاظ على عادات صحية في الحياة اليومية.

ويعتبر القطاع الصحي من اهم القطاعات الاقتصادية التي تلعب دورا رئيسيا في استقرار حياة الافراد وتساهم في تغطية احتياجات الناس من الخدمات العلاجية عند مواجهة عوارض صحية مؤقتة. وقد حرصت العديد من الدول على دعم القطاع الصحي بشكل يتناسب مع النمو السكاني نتيجة ظهور علاقة طردية ملحوظة في كل المدن التي تشهد ارتفاعا في الكثافة السكانية.

وتتنوع الوسائل التي تقوم بها الدول لدعم القطاع الصحي بشكل مباشر من خلال بناء المستشفيات وتجهيزها بالمستلزمات الطبية، او بطريقة غير مباشرة عبر تنظيم نشاط الرعاية الصحية بالتشريعات واللوائح التي تكفل تطور الخدمات الصحية.

وقد تواجه الدول عقبة ارتفاع تكاليف تشغيل مرافق الصحة العامة خصوصا اذا كان نمو القطاع الصحي يؤثر على النفقات العامة بشكل لا يمكن السيطرة عليه والذي يتطلب وجود مرحلة انتقالية من الدعم المباشر الى غير المباشر.

وقد بدأت هذه المرحلة الانتقالية التي تتضمن قيام القطاع الخاص بلعب دور رئيسي في تحمل عبء النفقات التشغيلية ضمن نطاق يحدد معايير جودة الخدمات الصحية. وشهدت المرافق الصحية الحكومية عدة محاولات لتخفيف عبء تكاليف التشغيل فمنها من حاول تقديم خدمات صحية برسوم لمن ليس لديه اهلية العلاج واخرى حاولت تحميل كلفة العلاج على شركات التأمين الصحي لمن تتوافر لديه وثيقة تأمين صحية.

ومن المتوقع ان تقترب المرحلة الانتقالية من نهايتها حين يتم اعتماد برنامج التأمين الصحي على المواطنين والذي لم تتضح فيه الكيفية التي يتم تغطية نفقات تشغيل المرافق الصحية حيث يجب ان يتزامن اطلاق برنامج التأمين الصحي للمواطنين مع قدرة المرافق الصحية على التشغيل الذاتي بالاضافة الى رفع كفاءة تحصيل النفقات بين وزارة الصحة وتلك المرافق الصحية.

وبالرغم من عدم وضوح كيفية تحمل وزارة الصحة لنفقات علاج المواطنين إلا انه من المرجح ان تقوم وزارة الصحة بتحمل كلفة التأمين الصحي من خلال القيام بدور المؤمن لنفقات علاج المواطن المستفيد من الخدمة الصحية مما يخفف عبء النفقات من ميزانية وزارة الصحة حيث ان تغطية النفقات مشروطة بحصول المواطن على خدمة صحية والذي يرفع من كفاءة الانفاق وينقل عبء مخاطر العمليات التشغيلية الى القطاع الخاص.

وهنا يثار التساؤل عن معدل نمو القطاع الصحي وقدرته على الاستجابة لحجم الطلب على الخدمات الصحية.

والاجابة عن ذلك تبدأ من معاينة الهدف الاستراتيجي الرابع لوزارة الصحة والذي يهدف الى التوسع في تدريب الاطباء السعوديين محليا ودوليا ورفع عدد الاطباء من 2200 طبيب مقيم الى 4000 طبيب مقيم في عام 2020.

كما تستهدف وزارة الصحة حسب الهدف الاستراتيجي الخامس زيادة جاذبية العمل في الفئات الطبية المساعدة من خلال رفع عدد مقدمي الرعاية الصحية من 70 الى 150 عاملا صحيا لكل مائة الف شخص.

ويصل عدد القوى العاملة في القطاع الصحي السعودي الى حوالي 600 الف عامل يمثلون خمسة بالمائة من اجمالي القوى العاملة في السعودية حسب بيانات الهيئة العامة للاحصاء للربع الثاني من عام 2016.

ويبلغ عدد السعوديين في القطاع الصحي 360 الف عامل مما يدل على وجود فرص نمو للوظائف في القطاع الصحي من خلال رفع نسبة التوطين في القطاع الصحي حيث لا تزال معدلات التوطين في القطاع الصحي دون المأمول.

ومن المتوقع ان تنفق وزارة الصحة حوالي 23 مليار ريال لتحقيق 16 هدفا استراتيجيا ضمن برنامج التحول الوطني ولذلك لابد من التركيز على تحقيق متطلبات نمو القطاع الصحي ومنها ما ورد في الهدف الاستراتيجي الخامس لوزارة الصحة وهو زيادة جاذبية العمل في الفئات الطبية المساندة.

ومن المعلوم بالضرورة ان رفع المحتوى المحلي من المنتجات الصحية والدوائية سيلعب دورا كبيرا في خفض قيمة الواردات سنويا حيث ما زال القطاع الصحي يعتمد على الواردات لتغطية احتياجات المرافق الصحية من معدات ومواد صحية.

وبالرغم من نمو الاستثمار في قطاع صناعة الادوية إلا ان حصة المصانع السعودية من السوق المحلي لا تتجاوز 20 بالمائة مما يتطلب تشجيع المستثمرين على انتاج ادوية نظيرة للأدوية ذات العلامات التجارية المعروفة خصوصا عند انتهاء فترة الحماية الممنوحة للانتاج الدوائي حسب حقوق الملكية الفكرية المسجلة لتلك الادوية.

وتشكل نفقات القطاع الصحي نحو 20 بالمائة من حجم الموازنة العامة في عام 2015 حيث بلغت المبالغ المرصودة نحو 160 مليار ريال لتغطية تكاليف عدة مشاريع صحية منها مستشفيات جديدة ومراكز صحية حيث تبلغ هذه النفقات 5 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي حسب بيانات البنك الدولي وهي تعتبر دون المتوسط العالمي الذي يصل الى 9 بالمائة مما يوضح اهمية الالتفات الى تعزيز الانفاق في القطاع الصحي بشكل يشجع القطاع الخاص على تحمل تعويض الفارق في نسبة الانفاق بين المعدل المحلي والمعدل الدولي.

ومن الممكن الاستناد الى التجارب الدولية لمعرفة واقع القطاع الصحي في العالم ودوره في نمو الاقتصاد العالمي حيث لم اجد مؤشرا اكثر دلالة على اهمية القطاع الصحي في الاقتصاد العالمي من اجتماعات عقدتها ثلاث منظمات دولية لمناقشة مستجدات القطاع الصحي.

حيث عقدت كل من منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي عدة ورش عمل منذ مارس 2016 لمناقشة سبل تطوير القطاع الصحي وقد جاء ذلك في سياق اشتراك تلك المنظمات في اللجنة العليا للنمو الاقتصادي والتوظيف في القطاع الصحي والتي تم تشكيلها في الامم المتحدة استجابة لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2015.

وجاءت الاستجابة لمواجهة عجز متوقع في القوى العاملة بالقطاع الصحي في العالم والذي يشكل عقبة لتحقيق اهداف التنمية المستدامة. وتتوقع منظمة الصحة العالمية ان يساهم القطاع الصحي في استحداث 40 مليون وظيفة خلال العشر السنوات القادمة مما يجعل القطاع الصحي احد اهم القطاعات التي تساهم في نمو الوظائف.

وحسب بيانات الامم المتحدة فإن مساهمة القطاع الصحي العالمي في الاقتصاد تصل الى ما يقارب 6 تريليونات دولار سنويا حيث شهدت الوظائف في القطاع الصحي نموا بنحو 48 بالمائة سنويا في الفترة من عام 2000 الى عام 2014 مقارنة بهبوط معدلات التوظيف في قطاعات الصناعة والزراعة.

ومن المتوقع ان يستمر الطلب على الخدمات الصحية تماشيا مع النمو السكاني حيث ان نمو القطاع الصحي في الدول النامية يمثل ربع النمو الاقتصادي منذ عام 2000 الى عام 2011. وكانت نسبة العوائد الاقتصادية على الاستثمار في القطاع الصحي تصل الى تسعة اضعاف ما يتم انفاقه فعليا في القطاع الصحي حسب تقرير اللجنة العليا.

وبالرغم من اعتقاد البعض ان هذه النسبة من عوائد الاستثمار مبالغ فيها إلا ان دراسة لكل من مارتن ماكي وكريستوفر ميسنر نشرت في مجلة «بايوميدسينترال» في سبتمبر 2013 توصلت الى ان العائد الاقتصادي من الاستثمار في القطاع الصحي الاوروبي يصل الى خمسة اضعاف الانفاق الحكومي بمعنى ان كل يورو يتم انفاقه في القطاع الصحي يحقق حوالي خمسة يورو في الناتج المحلي الاجمالي للاقتصاد الاوروبي.

ويوصي تقرير اللجنة العليا التابعة للامم المتحدة بتوجيه الاستثمار الى القطاع الصحي الذي يستطيع تعويض تدني نمو قطاعات اخرى حيث ان الحفاظ على معدل نمو اقتصادي مستقر لدول العالم يتطلب التركيز على دعم القطاع الصحي من خلال الاستثمار في التدريب والتطوير الاكاديمي للقطاع الصحي لتغطية احتياجات نمو المرافق الصحية التي تتزامن مع النمو السكاني.

ويعتبر نمو الاقتصاد من اهم تبعات تحسن الصحة العامة حيث ان لها اثرا غير مباشر من ناحية رفع متوسط العمر الافتراضي حيث ان كل سنة تضاف الى متوسط العمر الافتراضي تساهم في تحسن الناتج المحلي الاجمالي للفرد الواحد بنحو اربعة بالمائة سنويا.

ويتضح من مشاركة منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية في اللجنة العليا ان هنالك حاجة ماسة لتنسيق متواصل بين وزارتي الصحة والعمل للوصول الى قراءة موحدة لكيفية رفع معدلات توطين القوى العاملة في القطاع الصحي ومنح ذلك القطاع الدعم الذي يمكنه من النمو بمعدلات تعوض تدني نمو قطاعات اخرى خصوصا بعد ان تبين من التجارب الدولية ان القطاع الصحي هو محرك رئيسي لنمو الاقتصادي العالمي في السنوات القادمة.

نقلا عن اليوم