إدارة الدين العام

16/10/2016 1
د. عبدالله بن ربيعان

أعلنت وزارة المالية هذا الأسبوع إنشاءها لإدارة الدين العام بالوزارة، في خطوة استباقية قبل إعلان بنود موازنة السنة الجديدة 2017، وما تحقق من نتائج فعلية في موازنة العام الحالي، التي يتوقع أن تشهد عجزاً يصل إلى 300 بليون ريال، بحسب بعض التنبؤات.

الوزارة قالت إن هدف الإدارة هو «تأمين حاجات المملكة من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد، بحيث تكون المخاطر متوافقة مع السياسات المالية في المملكة»، وبالتأكيد فإن أسعار النفط ستكون هي الفيصل والمحدد لعمل الإدارة الجديدة، فإن وصلت الأسعار إلى ما فوق 60 دولاراً للبرميل واستقرت - بحسب توقعات وزير الطاقة المهندس خالد الفالح في تصريح نشر هذا الأسبوع - فإن عمل الإدارة سيكون جزئياً وخفيفاً، وإن استمرت أسعار النفط دون الـ50 دولاراً فإن عمل الإدارة سيتطلب الاستمرار لساعات إضافية بعد انتهاء الدوام الرسمي.

الجديد فعلياً ليس إنشاء إدارة للدين العام، على رغم أهميتها وتأخر الوزارة في إنشائها، فمثلها موجود في دول عربية كثيرة، منها الإمارات ولبنان وغيرهما من الدول، لكن الجديد والجيد الذي يحسب للوزارة اليوم هو نهجها الجديد في الشفافية، واطلاع العامة على تفاصيل الدين الحالي، وموعد وحجم السندات التي تنوي طرحها مستقبلاً.

سلوك الوزارة مع الدين والاقتراض لم يخلُ من الانتقادات الكثيرة، ومنها أن الوزارة لم تقترض حينما كانت الموازنة تحقق وفراً كبيراً، وبالتالي فاقتراضها المتأخر اليوم سيكون بكلفة مرتفعة، لأن التصنيف الائتماني للبلد انخفض، بحسب تقييم وكالات الائتمان المتخصصة، إضافة إلى أن توقف الوزارة عن إصدار سندات التنمية السعودية كان أحد أكبر أخطاء الوزارة في طريقتها لإدارة السيولة في البلد، كما يرى البعض - وهو رأي الاقتصادي مطشر المرشد - أن الاقتراض بصورته التقليدية اليوم ليس هو الأنسب للمملكة، وكان الأجدر بالوزارة أن تقترض قروضاً قصيرة الأجل بضمان السندات العالمية التي تستثمر فيها الحكومة برهنها في مقابل الحصول على السيولة التي تحتاج إليها حالياً (باستخدام الريبو وتجديده سنوياً إن لزم الأمر) بدلاً من الاقتراض التقليدي مرتفع الكلفة، حتى تتضح وجهة الأمور المالية ومسار عوائد النفط.

عموماً، الدين العام على السعودية ما زال في بداياته وما زال صغيراً بكل الأرقام والنسب والمقارنات، إلا أن الملاحظة المهمة هي أن الدين يحقق نمواً تراكمياً بشكل سريع. وبالعودة إلى بيان وزارة المالية عن حجم الدين، فكان لا يتجاوز 44.3 بليون ريال (11.8 بليون دولار) بنهاية ديسمبر 2014، وهو ما يعادل 1.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، إلا أن هذا الرقم قفز إلى 142.2 بليون ريال (37.9 بليون دولار) بنهاية 2015، وبما يعادل 5.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي (معدل نمو جاوز 200 في المئة)، كما قفز إجمالي الدين الحكومي خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2016 إلى 273.8 بليون ريال (73 بليون دولار)، بنسبة نمو تصل إلى 90 في المئة خلال ثمانية أشهر، وإذا ما أضيف للدين حجم الأموال التي سحبت من الاحتياطات فسيكون رقم الإنفاق الحكومي كبيراً، وهو ما يتطلب الترشيد والضبط.

اقتصادياً، تقول الأرقام إن نسبة الدين العام لأي بلد يجب ألا تتجاوز 60 في المئة من إجمالي ناتجه المحلي، إلا أن الحقيقة أن هناك دولاً كثيرة جاوزت هذه النسبة بمراحل كبيرة، ومنها اليابان وإيطاليا ولبنان ومصر وجامايكا والبرتغال واليونان، وغيرها من الدول.

وبالأرقام والمقارنات مع دول العالم الأخرى، فما زالت السعودية من أقل دول العالم ديناً، إن لم تكن أقلها على الإطلاق، إلا أنه يجب التنبه إلى أن كثيراً من الدول المدنية في العالم لديها تنوع وموارد اقتصادية، تستطيع من خلالها سداد ديونها مع الفوائد، فيما تعتمد المملكة على مورد واحد فقط، وهو ما لا يمكّن البلد عند انخفاض أسعاره من سداد الدين وفوائده، وفي الوقت نفسه الصرف على التنمية من خلال الإنفاق الحكومي، ولو بالحد الأدنى.

ختاماً، الوزارة أخطأت في إدارة السيولة والتدفقات النقدية زمن الوفرة، وأوقفت سندات التنمية حينما كانت السيولة تتلاطم كالموج الهادر في البلد، وهذا الخطأ أوقع البلد في فخ شح السيولة اليوم، حتى وصل معدل القروض إلى نسب كبيرة من حجم الودائع، وبالتالي فلعل إنشاء إدارة الدين العام يكون عوناً جيداً للوزارة للتخطيط لإدارة التدفقات النقدية لموازنة الحكومة، وأن تسعى الإدارة الجديدة إلى الموازنة في توفير السيولة وضمان تدفقها في وقت الشدة، كما هي في وقت الطفرة، وتجنب الاقتصاد مشكلات زيادة السيولة وتضخمها أو عجزها وشحها، وتأثير الحالتين السلبي في الاقتصاد السعودي.

نقلا عن الحياة