انعكاس انخفاض أسعار النفط على أداء الشركات البتروكيماوية العالمية

11/10/2016 0
د. سليمان الخطاف

سجل معدل سعر برنت في عام 2014م حوالي 98 دولار للبرميل وانخفض معدل السعر في عام 2015م إلى 52 دولار للبرميل. وانخفضت في عام 2015م معظم ارباح الشركات البتروكيماوية في منطقة الخليج. وقد يتساءل المرء عن اثر الهبوط الحاد في اسعار النفط على اداء شركات البتروكيماويات العالمية.

والحقيقة ان العلاقة المباشرة بين اسعار النفط والبتروكيماويات تتمثل في ارتباط اسعار اللقيم الرئيس للبتروكيماويات وهو مشتق النافثا بسعر النفط. والنافثا هو المادة الاساسية الذي ينتج عند تكسيره مجموعة متنوعة من البتروكيماويات الاساسية كالايثيلين والبروبيلين والعطريات وبالتالي انخفاض تكاليف الانتاج.

انخفضت اسعار جميع المواد البتروكيماوية الاساسية بشكل عام مع هبوط اسعار النفط. ويعتبر بلاستيك البولي ايثيلين احد اهم المواد البتروكيماوية والاكثر انتشارا في العالم. ولقد وصل سعر طن البولي ايثيلين في منتصف 2014م واسعار النفط عند 110 دولارات للبرميل إلى حوالي 1700 دولار. وفي يناير 2015م واسعار النفط منخفضة إلى حوالي 48 دولارا انخفض سعر طن البولي ايثيلين إلى حوالي 1200 دولار.

وهذا ما اثر على قيمة مبيعات الشركات البتروكيماوية بشكل عام. وعلى سبيل المثال لو اخذنا مجموعة من اكبر شركات العالم مثل باسف الالمانية وسابك وداوكميكال وإكسون لوجدنا ان قيمة مبيعاتها وصلت في عام 2014م إلى حوالي 255 مليار دولار، وفي عام 2015م وصلت قيمة المبيعات إلى 193 مليار دولار وهذا بسبب الانخفاض الكبير في اسعار البتروكيماويات.

الاكيد ان تكاليف انتاج البتروكيماويات تغيرت، فعندما كانت اسعار النفط تساوي 110 دولارات كانت اسعار النافثا لقيم البتروكيماويات الاول في اسيا واوروبا حوالي 950 دولارا للطن. ولقد انخفضت اسعار النافثا مع انخفاض اسعار النفط حتي وصلت في يناير 2015م إلى حوالي 400 دولار للطن.

ويبدو واضحاً ان اسعار النفط انخفضت ما بين منتصف 2014م وبداية 2015م بحوالي 50% وانخفضت معها اسعار لقيم النافثا بحوالي 56% عن مستويات اسعار القمة في منتصف عام 2014م. وهذا يعني ان تكاليف انتاج الشركات البتروكيماوية المنتجة بأوروبا وآسيا قد انخفضت كثيرا. ولكن اسعار بيع المواد البتروكيماوية قد انخفضت ايضا معها وهنا ستكون المعادلة ايهما اقوى انخفاض اسعار لقيم النافثا وكلفة الانتاج ام انخفاض اسعار البتروكيماويات وبالتالي قيمة المبيعات.

يستخدم النافثا في انتاج البلاستيك باسيا واوروبا وتمثل كلفة المواد الاولية واهمها اللقيم حوالي 50-60% من كلفة انتاج البلاستيك (البولي ايثيلين) وعليه فان انخفاض كلفة النافثا بأكثر من 50% قد ساعد المنتجين الاوروبين والاسيويين على البقاء في الانتاج ومنافسة امريكا الشمالية ودول الخليج.

لا يرتبط سعر الايثان في امريكا والخليج باسعار النفط واسعار النافثا وعليه فان كل خفض لاسعار النفط يعني خفضا لاسعار النافثا وقوة تنافسية للمنتجين الاسيويين والاوروبيين. ولذلك فان كل انخفاض لسعر برميل النفط بعشرة دولارت يعني تقليص ارباح منتجي البولي ايثيلين بامريكا والخليج بحوالي 100 دولار للطن. وقد تصل القيمة إلى 200 دولار للطن لصغار المنتجين. وفعلا هذا ما شاهدناه عندما انخفضت اسعار البولي ايثيلين بحوالي 600 دولار للطن عندما انخفضت اسعار النفط بحوالي 60 دولارا للبرميل.

وفي نفس السياق، فان ارتفاع سعر طن النافثا في عام 2013م إلى حوالي 950 دولارا جعل كلفة انتاج طن البولي ايثيلين في اوروبا واليابان تعادل 4 اضعاف كلفة منتجي البولي ايثيلين من الايثان سواء بأمريكا او بدول الخليج. وهذا الوضع ساهم في اغلاق العديد من مصانع انتاج البلاستيك في اوروبا واليابان. ولكن انخفاض اسعار النفط وانخفاض اسعار النافثا إلى النصف ساعد منتجي البلاستيك الاوروبيين على البقاء في الصناعة إلى اجل غير مسمى.

ولعله من المناسب دراسة الارباح التشغيلية لبعض الشركات والتي تمثل مناطق انتاج مختلفة فعلى سبيل المثال تمثل سابك منطقة الخليج واينيوس اوروبا وميتسوبيشي اليابان وداوكميكال امريكا وسينوبك الصين. ولو بدأنا بدراسة اداء الشركات البتروكيماوية التي تعتمد على لقيم النافثا لوجدنا ان قطاع البتروكيماويات في شركة سينوبك الصينية قد خسر في عام 2014م 350 مليون دولار وربح في عام 2015م اكثر من 3 مليارات دولار.

واما شركة اينيوس فكان اداؤها في عام 2015م ملفتا للنظر فبينما شهدت خسائر طفيفة في عام 2014م، وصلت ارباحها عام 2015م إلى حوالي 4 مليارات دولار. واما ميتسوبيشي للكيماويات فلقد رفعت ارباحها في عام 2015م بأكثر من مليار دولار. وهذا يعرض وبوضوح الاثر الايجابي لانخفاض اسعار النفط على الشركات الاسيوية والاوروبية البتروكيماوية.

في المملكة كانت اسعار لقيم الايثان بين 2014م و2015م ثابتة ولم تتغير وبالتالي ورغم انخفاض اسعار لقيم البروبان، يبدو ان انخفاض اسعار البتروكيماويات كان اقوى فانخفضت الارباح وعلى سبيل المثال كانت ارباح سابك التشغيلية من البتروكيماويات في عام 2014م حوالي 10.1 مليار دولار وانخفضت هذه الارباح في عام 2015م إلى 7.6 مليار دولار.

واما الصناعة في امريكا فتشهد تحولات كبيرة تتمثل في إنتاج كبير وغير مسبوق للقيم الايثان والبروبان من المصادر الصخرية. فلقد ارتفع انتاج الايثان من 0.6 مليون برميل باليوم إلى اكثر من 1.1 مليون برميل في عام 2015م وكذلك ارتفع انتاج لقيم البروبان. ادت طفرة الانتاج هذه إلى خفض اسعار لقائم البتروكيماويات فقلت كلفة الانتاج إلى النصف تقريبا وهذا ما رفع ارباح الشركات البتروكيماوية المنتجة بامريكا وعلى الرغم من انخفاض اسعار البتروكيماويات في الاسواق العالمية. وخير مثال لذلك شركة داو كميكال (انظر الشكل) فلقد رفعت ارباحها التشغيلية في عام 2015م بحوالي 4 مليارات دولار.

لاشك ان اسعار النفط المنخفضة ليست في مصلحة صناعة البتروكيماويات الخليجية لان المنافسة مع مصانع النافثا الاوروبية والاسيوية تزداد قوة. واذا ما استمرت اسعار النفط تحت 50 دولارا للبرميل فهذا يعني ان الروح قد دبت من جديد في مصانع اوروبا واسيا. لذلك فان على الشركات بالخليج خفض نفقاتها ومحاربة الهدر. لا تزال الصناعة في الخليج تملك الكثير من الايجابيات مثل وجود البنية التحتية والموقع الاستراتيجي بين الشرق والغرب ووجود اللقيم المناسب باسعار اقل من المنافسين خارج المنطقة ولكن لا يزال هنالك متسع للتطور وخفض نفقات الانتاج.

ستواجه صناعة البتروكيماويات تحديات وتغيرات كبيرة قادمة فالكميات الهائلة من الانتاج الامريكي والصيني ستغير الكثير في قوانين هذه الصناعة. لاشك ان دخول لقائم جديدة على خط الانتاج مثل الغاز الصخري بأمريكا الشمالية والفحم بالصين سيلعب دورا محوريا في تشكيل وجه الصناعة في العشرين سنة القادمة. ولكن اهم ما يميز الصناعات البتروكيماوية هو الدور الحيوي الذي يلعبه الاستحواذ والاندماج ما بين الشركات.

فشركة اينيوس تقدمت في عام 2015م إلى المرتبة الثامنة بفضل حسن قراراتها في الاستحواذ سواء بشرائها قطاع الاولفينات في BP او قطاع الستايرين في باسف ونجاحها في ادراتهما والدليل الارباح الكبيرة. واما اندماج داو كميكال ودوبونت فهو اكثر من رائع لا سيما بعد ان ينقسما إلى ثلاث شركات مختلقة زراعية ومنتجات متخصصة وشركة لانتاج المواد للتطبيقات التقنية. صناعة البتروكيماويات ديناميكية وتتغير باستمرار ومن لم يتغير معها فلا مكان له بالصناعة.

نقلا عن اليوم