رفع أسعار الوقود في الكويت خطوة أولى على طريق طويلة

08/09/2016 3
عامر ذياب التميمي

يمثّل رفع أسعار البنزين في الكويت بدءاً من 1 أيلول (سبتمبر) وبناءً على قرار من مجلس الوزراء مراجعة مهمة لسياسات الدعم التي تنتهجها حكومة الكويت منذ زمن. وقابلت القرار معارضة من أوساط كثيرة لأسباب منها القلق من زيادة الأعباء على الطبقات الشعبية وأصحاب المداخيل المحدودة، والتخوف من إمكانية حدوث تضخم في أسعار السلع والخدمات نظراً إلى تأثرها بارتفاع أسعار البنزين.

لكن أي محاولة لفهم المسألة تبين أن هذا القرار كان مستحقاً منذ أمد طويل إذ تمتع المواطــنون والوافــدون بدعم للوقود ودعم للسلع والخدمات لا يتوافر في العديد من البلدان، بما فيها البلدان الغنية. وأدى دعم البنزين على مدى السنوات والعقود الماضية إلى زيادة أعداد المركبات في شوارع الكويت بعدما أمنت وكالات السيارات إمكانيات لاقتناء السيارات بمختلف أنواعها بتسهيلات متنوعة. ولم يقتصر الأمر على السيارات الجديدة بل توافرت إمكانيات لاقتناء السيارات المستعملة من خلال آليات التقسيط الشهري المريح وبمبالغ مهاودة.

وهكذا أصبح بإمكان الوافدين من أصحاب الدخول المحدودة اقتناء سيارات رخيصة الثمن وتسديد القيمة بأقساط شهرية ميسرة. وأصبح الانتقال يسيراً نظراً إلى انخفاض تكلفة الوقود.

وإذا كان قرار رفع أسعار البنزين واحداً من قرارات مستحقة في حزمة مراجعة سياسات الدعم فهل يمكن لنا أن نتوقع أن تستمر الحكومة في طرح قرارات أخرى من أجل إنجاز عمليات تصحيح وإصلاح جادة؟ بطبيعة الحال هناك مراقبون اقتصاديون غير واثقين بمدى قدرة الحكومة على تطبيق هذا القرار نظراً إلى معرفتهم بتجارب ومحاولات الإصلاح السابقة وحال التردد السياسي التي تتسم بها أعمال الحكومة.

وهناك طغيان للشعبوية في التعامل مع السياسات ذات الصلة بالدعم أو بالتشغيل في الدوائر الحكومية، وثمة استمرار لنهج الاقتصاد الريعي المعتمد في البلاد منذ بداية عصر النفط. وفي ما يتعلق بقرار رفع أسعار البنزين، ثمة معارضة شديدة للقرار من أعضاء في مجلس الأمة يأملون بالعودة إلى مقاعدهم في الانتخابات التشريعية خلال الصيف المقبل.

يضاف إلى ذلك أن سياسيين وناشطين في المجتمع المدني ظلوا أسرى لأفكار وقيم سياسية واقتصادية قريبة من التراث الفكري الاشتراكي أو الناصري الذي عرف شعبية في الكويت لعقود طويلة. كذلك لا يجد أعضاء وقوى الإسلام السياسي صعوبات في تبرير المعارضة لسياسات اقتصادية إصلاحية.

لم توفق الحكومة قبل شهور في تمرير عملية إصلاح رسوم الكهرباء والمياه بعدما استبعد مجلس الأمة رفع هذه الرسوم على قطاع السكن الخاص الذي يشمل المواطنين الكويتيين، علماً بأن هذا القطاع يمثل 40 في المئة من استهلاك الكهرباء و45 في المئة من استهلاك المياه. ويرى عدد من المعارضين لسياسات الإصلاح بأن ما ستوفره الحكومة في عمليات ترشيد الدعم لا يمثل نسبة تذكر من قيمة العجز المتوقع الناتج من تراجع إيرادات النفط.

ويُفترَض أن يكون الهدف الأساسي من الإصلاح هو ترشــيد الاستــهلاك ودفع المواطنين والمقيمين إلى التوفير في استخدام المرافق والخدمات والوقود بما يعزز قدرة الحكومة على مواجهة الطلب المتوقع خلال السنوات المقبلة بفعل الزيادات السكانية والتوسع الجغرافي من دون الاضطرار إلى تخصيص مبالغ مهمة للمشاريع ذات الصلة.

ويمكن الزعم بأن دعم استخدام الكهرباء والمياه والوقود من أهم عناصر الدعم والتي تستحق مراجعات من دون التأثير في نوعية الحياة في البلاد. ولا شك في أهمية الاستمرار في الإنفاق على التعليم والتدريب والرعاية الصحية والارتقاء بكل الخدمات ذات الصلة بالتعليم والرعاية الصحية من أجل تحقيق تنمية بشرية نافعة.

بلد مثل الكويت تكرست فيه مفاهيم الاقتصاد الريعي على مدى سبعة عقود، كيف له أن يتحرر ويعزز مفاهيم المسؤولية والترشيد؟ هذا هو السؤال المحوري. المطلوب أن يكون لدى السلطة التنفيذية، ممثلة بمجلس الوزراء، الإرادة السياسية والقدرة على المواجهة وفي الوقت ذاته تبني برامج توعية. ولا بد أن تعمد الحكومة إلى وقف الهدر الذي يراه البعض لمصلحة المستنفذين والأثرياء.

فالإصلاح المــأمول لن يتحقق من دون تغيير الواقع الاقتــصادي المبني على دور فاعل ومحوري للدولة في الحياة الاقتصادية، وتبني مــشروع لتخـصيص الخدمات وعدد من المرافق، وتكليف القطاع الخاص بتولي مــسؤوليات واسـعة تشمل العديد من النــشاطات التي تضطلع بها الدولة في الوقت الراهن. وثمة قانون للتخصيص اعتمد عام 2010 وبات ضرورياً تفعيله وتقليص دور الدولة.

ربما يواجه هذا الطرح معارضات أشد من معارضة رفع أســعار البنزين أو الكهرباء والمياه لكن لن تتمكن الكويت من إنجاز مشروع إصلاح اقتصادي مثمر من دون إصلاح بنيوي واسع النطاق.

نقلا عن الحياة