النفط الصخري والتقليدي حرب لا تهدأ.. محاولة للفهم

06/09/2016 4
احمد رمزي

لاتزال الحرب النفطية بين المنتجين مشتعلة لا تهدأ، فرغم انخفاض الأسعار لمستويات متدنية، إلا أن المنتجين يواصلون العمل وضخّ كميات متزايدة للسوق النفطية.

ولم تكن تلك الحرب إلا بحثاً عن التمسك بالحصة السوقية، التي تأثرت بمخاوف متعددة طيلة الفترة الماضية، من دخول الإنتاج الإيراني -بعد رفع العقوبات-، وزيادة إنتاج النفط الصخري المنافس الأهم للنفط التقليدي.

وشهدت الفترة الماضية اشتعال الحرب بين قطبي النفط، الصخري والتقليدي، وازدادت حدّتها مع مرور الوقت لتفرز واقعاً نفطياً جديداً، يحاول أن يغيّر من الخريطة العالمية.. فمن الفائز في تلك الحرب؟ ومتى بدأت؟ وإلى أين وصلت الآن؟

النفط الصخري.. الوافد القديم

النفط الصخري هو نوع من أنواع النفط الخفيف الأقل سيولة من النفط الخام الأحفوري، ويتم إنتاجه من صخور تحتوي ترسبات مادة الكيروجين يتم تحويلها بالحرارة إلى سائل هيدروكربوني بديل للنفط الخام، وتختلف خصائصه حسب تكوين الصخور الرسوبية في باطن الأرض.

كتب عنه أحد الفيزيائيين الأوروبيين عام 1596م، وكان يُستخدم لإنارة شوارع مدينة مودينا الإيطالية في القرن السابع عشر، وتم استخدامه قبل الحرب العالمية الثانية كوقود نقل، ثم تطور استخدامه كمادة خام للأوساط الكيميائية وكمادة حافظة للخشب في  السكك الحديدية، واعتباراً من عام 2008 أصبح يُستخدم في التدفئة في المقام الأول.

الآثار البيئية السلبية من الاستخراج

يتم استخراج النفط الصخري من تشكيلات الصخور الرسوبية التي تكونت في باطن الأرض بطريقة التكسير الهيدروليكي، وذلك بحفر الآبار رأسياً ثم أفقياً مع استخدام الماء والمواد الكيماوية وخليط من الرمل، وتتطلب عملية تفتيت الصخور ضخّ كميات كبيرة من الماء تُقدَّر بحوالي 7 إلى 23 مليون لتر من المياه، أي ما يعادل تقريباً 5 براميل ماء لكل برميل نفط.


ويعود استخدام المياه بهذه الكمية إلى التلوث البيئي الناتج عن استخراج النفط الصخري؛ ففي الولايات المتحدة تحديداً تم رفض استخراجه من قِبل العديد من المنظمات البيئية، لما يسببه من تلوث في الهواء نظراً لأن أجهزة التنقيب والحفر تنبعث منها الغازات الضارة، كما أن استخدام كميات كبيرة من الأنهار خلال عملية الحفر يؤدي إلى التقليل من منسوب مياه الأنهار، وبالتالي يؤثر على عملية التنوع الحيوي، ما يسبب موت بعض الكائنات الحية وبالتالي انقراضها .

ورغم تلك المخاطر، إلا أن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر دول تحتوي على احتياطي من النفط الصخري، وتُقدَّر مواردها بحوالي 58 مليار برميل، أي ما يعادل 16.8% من إجمالي الموارد المتاحة من النفط الصخري في العالم، وسبقتها روسيا في المركز الأول بنحو 75 مليار برميل بنسبة تبلغ 21.7% من إجمالي الموارد المتاحة من النفط الصخري في العالم.


أوبك تسبح ضد التيار

ومع زيادة الإنتاج النفطي بشكل عام، والتوقعات بارتفاع الإمدادات، ودخول النفط الإيراني إلى الأسواق بعد إبرام اتفاقها مع الدول الكبرى، بالإضافة لارتفاع سعر الدولار على نطاق واسع أمام العملات الرئيسية، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، حيث أن كل  نقطة مئوية تنخفض من الناتج المحلي الصيني يقابلها تراجع بواقع 0.2 نقطة مئوية في الناتج المحلي الإجمالي للعالم، انهارت أسعار النفط بشكل كبير.

ومع هذا الانهيار في أسعار النفط، تنبّأ كثيرون بقيام منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" بخفض إنتاجها، محاولةً منها لتخفيض المعروض لتعود الأسعار لارتفاعها بشكل تدريجي مرةً أخرى، خصوصاً وأن غالبية البلدان المصدرة للنفط تعتمد موازنتها  بشكل كبير على مبيعات النفط.

إلا أن قرار المنظمة في نوفمبر من عام 2014 كان صادماً للعديد من المتابعين، حيث قررت عدم خفض إنتاجها البالغ 30 مليون برميل يومياً، بل وأيضاً أعلنت عدم نيتها القيام بذلك حتى لو انخفض سعر النفط إلى 20 دولاراً أمريكياً للبرميل الواحد.

وعزت المنظمة آنذاك هذا القرار إلى التخوف من انخفاض حصتها في السوق، وأنها لا تنوي تكرار ما حدث في الثمانينيات عندما خفّضت الإنتاج، فخسرت زبائنها، واستمرت الأسعار في الانخفاض، بل وزادت على ذلك بأن وسّعت السعودية -ثاني أكبر منتجي النفط في العالم واللاعب الرئيسي في منظمة "أوبك" بحصة تصل إلى 33% من إنتاج المنظمة- من نطاق صادرتها، لتستورد منها العديد من دول أوروبا.

وعززت السعودية ببطء حصتها في أوروبا، التي بلغت 8.6% في 2013، لكنها لم تدخل السوق البولندية إلا أخيراً، وتُعد بولندا كسائر أوروبا الشرقية سوقاً تقليدية للنفط الروسي، لتستوردت ثلاثة أرباع وارداتها النفطية من روسيا، والربع الباقي من كازاخستان ودول أوروبية.

تكاليف الاستخراج والحسم

ومع الانهيار المتواصل لأسعار النفط واستمرار السعودية ودول "أوبك" في سياستها، أرجأت شركات النفط مشاريع تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار، منها مشاريع صعبة وعالية التكلفة، مثل رمال النفط الكندية ومشاريع في المياه العميقة.

ويبدو أن كفة الحرب النفطية بدأت تميل تجاه النفط التقليدي، الذي تتراوح تكلفة استخراجه في السعودية ودول الشرق الأوسط -بحسب دراسة أعدتها مؤسسة "Natixis"- بين 3 و14 دولاراً أمريكياً للبرميل وحوالي 57 دولاراً أمريكياً للبرميل في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تقفز هذه التكلفة للنفط الصخري المستخرج في الولايات المتحدة إلى 73 دولاراً أمريكياً، بالإضافة إلى 12 دولاراً تكاليف النقل.

والجدول التالي يوضح مقارنة بين تكلفة التنقيب عن بعض أنواع النفوط حول العالم:


وعمّق هذا الانخفاض خسائر منتجي النفط الصخري، نظراً لأن تكلفة إنتاجه أصبحت غير مجدية أمام تهاوي أسعار النفط، وعدم رضوخ دول "أوبك" تجاه خفض الإنتاج، الأمر الذي كبّد 40 شركة منتجة للنفط في الولايات المتحدة الأمريكية خسائر قُدّرت بـ67 مليار دولار في عام 2015، كما زادت ديون شركات النفط والغاز الأمريكية إجمالاً من 81 مليار دولار ينهاية 2010 إلى 169 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي.

وأشهرت 150 من شركات النفط وخدماته في أمريكات الشمالية إفلاسها، منذ بداية عام 2015، وتتوقع وكالة "فيتش" تخلّف أكثر من ثلث الديون ذات التصنيف الضعيف "خردة" التي حصلت عليها الشركات النفطية الأمريكية أثناء ارتفاع أسعار النفط.

وهذا يعني أن الدائنين المستقلين الذي غامروا بإقراض شركات النفط الصخري قد يخسرون 40 مليار دولار، من أصل 110 مليارات دولار أقرضوها لها عندما كانت الأسعار فوق 100 دولار.

وكانت هذه الخسائر مدعاة لتخفيض شركات النفط الصخري لإنتاجها، فبحسب تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تراجع انتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري للشهر الثامن على التوالي في يونيو الماضي مع تفاقم الضغوط الناجمة عن انهيار أسعار الخام لعامين.

من الفائز إذا؟

ترى العديد من بيوت الخبرة العالمية أن السعودية نجحت مرة أخرى في كسب الحرب النفطية، مثلما حدث في ثمانينات القرن الماضي، وتوقعت أن تصبح نصف مشاريع استخراج النفط حول العالم غير جذابة من ناحية الجدوى الاقتصادية، في حال بقاء أسعار النفط الخام عند مستوى أقل من 50 دولاراً للبرميل.

ومع هذه التوقعات، نشرت وكالة أنباء "بلومبرغ" تقريراً تؤكد فيه أن السعودية هي الفائز في هذه الحرب النفطية، معتمدة في ذلك على توقعات وكالة الطاقة الدولية بانخفاض إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية من النفط الصخري بما يقارب 400 ألف برميل يومياً، وسيؤدي هذا التراجع إلى انخفاض الإنتاج بحوالي 500 ألف برميل يومياً خارج منظمة "أوبك" في عام 2016.

وهذا الانخفاض المتوقع في الإنتاج الأمريكي يعد أمراً طبيعياً، في ظل تراجع منصات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، حيث كشفت بيانات شركة "بيكرهيوز" عن إيقاف 963 منصة إجمالاً في 2015، وهو أول خفض سنوي لعدد المنصات منذ عام 2002، والأكبر سنوياً منذ عام 1988 على الأقل.


المصدر: بيانات شركة بيكر هيوز

ويمكن أن تكون المفاجأة في نجاح شركات النفط الصخري في تخطي عقبة انخفاض الأسعار بتخفيض التكاليف، حيث نشرت صحيفة "ديلي تيليجراف" البريطانية تقريراً، نقلت فيه عن منتدي الطاقة "سيرا ويك" في هيوستن، أن شركات النفط الصخري قد تكون قادرة على تخفيض تكاليف استخراج النفط بنسبة 45% خلال هذا العام، ليس بسبب التحول التكتيكي لاستخراج النفط من الآبار ذات العوائد المرتفعة، ولكن عبر استخدام منصات حفر ذكية مزودة برقائق كمبيوتر قادرة على تحديد مواقع التشققات في الصخر عوضاً عن الحفر في طبقات الصخر السميكة.

وقال "جون هيس" رئيس شركة "هيس" النفطية أن الشركة استطاعت تخفيض تكاليف الحفر بنسبة 50%، وتسعى حاليا لتخفيض التكاليف بنسبة 30% أيضاً.

وعلى الجانب الآخر، تشير توقعات شركة النفط البريطانية العملاقة "بي.بي" إلى تضاعف إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة على مدى العشرين عاما المقبلة رغم هبوط الأسعار نتيجة تطوير تقنيات الحفر، مما يبقي المعركة مشتعلة، لم تمِل كفتها إلى أيٍّ من المحاربين فيها، وينتظر الجميع نتائجها التي ستظهر مع مرور الوقت.

خاص_الفابيتا