مفاجآت وزارة المالية

25/08/2016 8
عائذ بن ابراهيم المبارك

تنحو وزارة المالية منحى الغزوات المفاجئة في قرارتها المتعلقة بفرض الرسوم وتخفيض المرتبات والبدلات.

فعلى سبيل المثال، قد يصحو أحد الموظفين ذات نهار على انخفاض مقداره 20% في مجموع مرتباته بسبب اقتطاع احد البدلات، أو على ارتفاع قدره 60% في أسعار البنزين.

كما يمكن لصاحب العمل أن يصحو ذات يوم على ارتفاع مفاجئ في رسوم العمالة أو فواتير الكهرباء، أو بقرار تأجيل المستحقات. كل هذه القرارات تأتي بشكل مفاجئ على المتلقي، وتخطيط مسبق من صانع القرار، ودون سابق إنذار، تماما كما هي الغزوات. 

لا شك، أن التخطيط المالي السليم هو أحد ركائز الرفاه المالي للفرد والمنشآت والدول. كما أن أساسيات المالية توجب على الأفراد والمنشآت والدول وضع احتياطيات لمواجهة الأزمات المالية الطارئة، وعدم الاستهلاك  بمستويات أعلى من الدخل عن طريق الاقتراض أو السحب من الاحتياطيات.

ولذلك، قد يتفهم المرء التوجه السائد في تقليص نفقات الدولة في جميع المجالات (كما ذكرت في المقال السابق)، إذ لا ينبغي أن تستمر معدلات العجز في الموازنة العامة عند مستوياتها الحالية لفترة طويلة. إلا أنه لا ينبغي أن تدار هذه العملية بإسلوب الغزوات وذلك لعدة أسباب. 

إن ازالة أحد البدلات، أو رفع الفواتير على المواطن الذي يستهلك كل دخله أمر صعب في كل الأحوال، إلا أنه أكثر صعوبة عندما يأتي في شكل مفاجئ. لنأخذ حالة عبدالله البالغ دخله الشهري 5500 ريال. إذا كان يدفع 1500 قسط سيارة، 2000 إيجار، و2000 لبقية المصاريف. كيف يمكن له إدارة انخفاض مفاجئ 500 ريال في اجمالي دخله وارتفاع في فاتورة البنزين بـ 60%؟ تحدي صعب !

ومع ذلك، فإن إبلاغه بالانخفاض قبل حدوثه بستة أشهر أو سنة، قد يحسن من فرصته في ادارة الموقف دون إيقاع ضرر جسيم. فعلى سبيل المثال، قد يبحث عن سكن أقل تكلفة، أو يتمكن من إعادة ترتيب بعض بنود انفاقه الشهري، أو إعادة جدولة بعض التزاماته المالية.

ربما تجدر الإشارة إلى أن الأسر ذات الملائة المالية الجيدة، لا تقع في هذا الحرج بسبب دخولها المرتفعة التي تمكنها من الاحتفاظ باحتياطيات جيدة وتخلق فجوة بين انفاقها الضروري واجمالي دخلها، مما يخفف من حدة الآثار المترتبة على هذه القرارات. ومن شأن ذلك أيضا منع بعض أفراد هذه الأسر من تصور تبعات تلك القرارات. 

كذلك الحال بالنسبة للشركات أو حتى المستثمرين، كلما زادت حالة عدم التأكد في البيئة التي تنشط فيها الشركة أو المستثمر، كلما زاد حجم المخاطر المترتبة على هذه الأعمال.

وينتج عن ذلك أمرين، إما أن تقوم الإدارة الحذرة بتجنيب احتياطات كبيرة لمواجهة هذه الاحتمالات مما يخفض من قدرتها على الاستثمار، أو أن تقع الإدارة الغير متحوطة في أزمات مالية تهدد وضع هذه الشركات كما هو الحال في الشركات التي لم تستطع دفع مرتبات موظفيها بسبب تأخر دفع مستحقات عقودها.

وكذلك هو الحال بالنسبة للمستثمرين، فبسبب حالة عدم التأكد الناتجة من طريقة تقديم القرارات، يقوم المستثمر الحذر بتخزين جزء أكبر من ثروته في شكل نقدية واستثمارات خارجية لمواجهة هذه الاحتمالات الطارئة، هذه الزيادة في النقدية كان يمكن لها أن يعاد ضخها في الاقتصاد الوطني عند انخفاض مستويات حالة عدم التأكد.

ربما يجدر بوزارة المالية، والوزارات الأخرى، إعادة النظر في أسلوب تقليص أو تأجيل النفقات بما يخفف من حدة الانعكاسات السلبية لهذه الإجراءات. فقد يرى متحذ القرار، بأن يتم منح مهلة بين القرار وتاريخ تطبيقه، كما يقول المنطق وتجارب الآخرين، حتى يقوم المواطنون والمستثمرون بأخذها في الاعتبار عند اتخاذ قراراتهم. 

على سبيل المثال، إذا كانت الوزارة تعتزم رفع تكلفة الكهرباء خلال السنوات القادمة، فربما ينبغي عليها ابلاغ المواطن بذلك، وتوعيته بالأثار المترتبة عليه. إذ يترتب على ذلك الكثير من القرارات.

فعلى سبيل المثال، قد يقوم المواطن بتعديل نمط المسكن الذي يعتزم بناءه في المستقبل للسيطرة على فاتورة الكهرباء. أو أن يقوم المواطن بتعديل قراره في نوع السيارة التي سيمتلكها بناء على أسعار البنزين في المستقبل.

الخلاصة، إن الوزارة والمواطن في مركب واحد و يسعون لوجهة واحدة : حياة أفضل لمواطن اليوم ومواطن المستقبل. لا نختلف مع الوزارة في أهمية ضبط الميزانية، وإنما في أسلوب التطبيق.

فلا ينبغي أن يصحو أحدنا ذات صباح على ارتفاع مفاجئ في المصاريف، وانخفاض مفاجئ في الدخل. كما لا ينبغي أن يفاجئ صاحب العمل بعدم التزام الدولة بجانبها التعاقدي. 

ختاما، نأمل من الوزارة أن تنتهج سياسة أكثر وضوحا ً و أن تقوم بدورها في مساعدة المواطنين والشركات على التخطيط المالي السليم.

كما نجدد إيماننا بأن الأجهزة الحكومية التي استطاعت تجاوز الأزمات المالية السابقة، قادرة بعون الله على تجاوز هذه الأزمة.

خاص_الفابيتا