لماذا نجحت ماكنزي لدينا ؟

27/07/2016 25
فواز حمد الفواز

من يعرف تجربة اليابان لا يمكن إلا أن يقدر دور ( ميتي- MITI ) وزارة الصناعة و التجارة الدولية، لاحظ الربط بين الصناعة والتجارة الدولية - يحمل مدلول على التوجه الاقتصادي، هذه الوزارة كانت تقود التحول والتطور الاقتصادي من خلال طبقة تكنوقراطية على درجة عالية من الكفاءة و الدقة في علمها و توجهاتها لخلق قيمة مضافة تصاعديا.

يأتي ويذهب السياسيين و الوزراء وهذه الطبقة عينها على سلم القيمة المضافة أفقيا ورأسيا.

التكنوقرات في الغالب شخصيات غير معروفة عالية التعليم وتعشق عملها والبعض منهم يتطلع إلى وظيفة في القطاع الخاص في مرحلة لاحقة والبعض الآخر يرتقي لإدارة مؤسسات حكومية وشبكة حكومية بعد تجربة مقنعة في معرفة ما يدور في الحلقات الاقتصادية.

هذه الطبقة على تواصل مع نظراءهم في الكيانات الخاصة والعامة لكي تكون جميع الكيانات على درجة من التنسيق والمؤاومة و قوة التوجه و فعالية العطاء.

يقابل ذلك تجربة الوزارات لدينا في ضعف الكادر التكنوقراطي من ناحية وعلاقة ذلك بانتظار وزير جديد و خطته لإعادة توجيه الجهاز ودعوة فريق استشاري أجنبي ليسدي النصح دون معرفة الثقافة العامة ( السياسات العامة ) والثقافة الخاصة ( كفاءة القائمين - التكنوقراط).

النقص في أعداد الكوادر عام ولكنه  نقص وعيب هيكلي غير مفهوم في وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط والتجارة والصناعة على مدى عقود واستمر تحت مسميات مختلفة لهذه الوزارات . في ظل هذا النقص والتقصير وجدت ماكنزي واخواتها فرصة ذهبية ولكنها لن تقدم الكثير لنا.

يشتكي الكثير بموضوعية أنه كلما جاء وزير أو مسؤول  كلما تغيرت السياسة العامة والأولويات وكبار موظفي الوزارة ودراسات من مكاتب استشارية أغلبها أجنبية وكأننا لم نتعلم شيء أو لم نراكم أي معرفة .

في بيئة من هذا النوع تجد ماكنزي فرصة لملء فراغ بسبب نقص الكوادر  في الوزارات المؤثرة اقتصاديا و خاصة في السنوات العشرون الماضية .

 بل إن تجربة المملكة في السبعينات ( هناك مكان للاستشارات ) كانت أفضل حيث كان التكنوقراط السعودي يقوم بدور أكثر حيوية في الادارة الاقتصادية .

نفهم الحالة الماضية أنها كانت لإرضاء سياسة إشباع لمجتمع متعطش لذلك كان دور النخبة التكنوقراطية  نسبيا سهل ولكنها بذلت مجهود حسن  الأداء.

هذه المرحلة انتهت في نهاية التسعينات ولكن النخبة لم تتطور بل أنها سمحت للعامة أن تتقدم عليها في الوعي والمعرفة . قد يكون العصر المعلوماتي كشف دور الكثير منهم .

لما تصل الحالة إلى أن يصل أحدهم من جامعة غير ذات تخصص إلى منصب اقتصادي / مالي فني في وزارة مؤثرة اقتصاديا من خلال دورة مقتضبة من معهد الادارة وزيارة للبنك الدولي دون معرفة مقبولة باللغة الإنجليزية نكون وصلنا إلى مستوى جديد من اللامسائلة .

اليوم وبعد أن جاءت " الرؤية " وخطة التحول الوطني نحن أمام مفترق جديد نحو ايجاد النخبة الفنية.

الرؤية تقدم نبراس وخطة التحول هي العظم الذي يقوم عليه الجسم الاقتصادي المرجو و البرامج المختلفة هي اللحم الذي يكسو العظم ولذلك هناك حاجة إلى طبقة تكنوقراطية والتي بمثابة العناصر الغذائية التي تعطي الجسم الحياة و الحراك .

استمرار ماكنزي وأخواتها نزيف مالي ولكنه ليس الأهم ، الأهم أن طبيعه التحدي تتطلب منبع أصيل وأن يكون للمواطن الحق في الخطأ والتعلم .

التعلم من مراقبة أو مشاركة فريق أجنبي عابر سبيل لا يحمل الهم الوطني بما يحمل من شحن معنوي وعاطفي وهذا له دور حيوي في التفاعل بين البشر والقنوات المؤسساتية والأدوات الخاصة بالمكان خاصة أن الكثير من المعلومات لدينا ضمني في مجتمع غير قارئ .

فهو تعلم ثانوي على الأحسن و راكب مجاني على الأسوأ . في ظل هذا التنازل لابد من حلول جديدة .

أحد الحلول أن تختار كل وزارة  وخاصة المؤثرة اقتصاديا و كل مؤسسة رقابية من مجموعة يختارها لجنة مستقلة تكون مرجعيتها عالية.

تكون معايير الاختيار الافضل7- 10% من التخصصات ذات العلاقة خاصة القانون والهندسة والاقتصاد والرياضيات وبعض البارزين من تخصصات أخرى، على أن يكونوا من كل الجامعات لكي تكون هناك مشاركة وطنية متكفاءة من جميع المواهب في الوطن.

يعرض المختارون لدورة مكثفة في اللغة العربية ومعرفة أنظمة وخطط الحكومة والتفكير الاستراتجي والقدرات التحليلية، بعدها يكون هناك اختبار لجولة أخرى من التصفية . يتم التخلص من 10 إلى 15 % الأضعف في الاختبارات أو درجة الانضباط .

بعدها تكون هناك دورة على وزارتين في سنة واحدة بحيث يكون كل فرد مساعدا ملازما لأحد المسؤولين المعتبرين .

بعدها دراسة في دورة مكثفة أو شهادة ماجستير بالتعاون مع أحد الجامعات المعروفة . بعدها يعمل هؤلاء على التحليل و تقييم السياسات لمدة لا تقل عن خمس سنوات قبل أن يكونوا مستعدين لأي مسؤولية مباشرة .

ليس هناك حلول سهلة ولا طريق واحد لمعرفة وتربية المواهب ولكننا لم نعمل الكثير في السنوات العشرون الماضية خاصة بعد ما انتهت علاقة شيسمنهاتن بنك مع صندوق التنمية وخرج ستي بنك من سامبا وأثبتت تجربة ارامكو محدودية الفعالية في القطاع الحكومي.

اعتقد أن علينا التجريب و الأخذ بخطوات عملية بعد أن صرفنا أموالا كثيرة وبمردود محدود.

خاص_الفابيتا