معضلة أسعار النفط والتحويلات النقدية

20/07/2016 0
حيدر بن عبدالرضا اللواتي

من الطبيعي أن تتأثر التحويلات النقدية للقوى العاملة الوافدة العاملة في الدول النفطية خلال العام الحالي نتيجة لتراجع أسعار النفط العالمية.

بالرغم من أن التقديرات المُعدَّلة الصادرة للبنك الدولي توقعت في العام الماضي بأن تصل قيمة هذه التحويلات المالية إلى الدول النامية خلال عام 2016 إلى نحو 516 مليار دولار.

ولا شك أن استمرار تداول أسعار النفط العالمية ما بين 40 و45 دولارا للبرميل سينتج عنه تراجع هذه التحويلات على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي والعالم خلال السنوات المقبلة، خاصة أن معظم التحويلات المالية النقدية من دول المجلس تأتي من السعودية والإمارات وقطر حيث شهدت ارتفاعا العام الماضي بنسبة 7%.

ووفقاً لبيانات مبادرة شراكة المعارف العالمية للهجرة والتنمية التابعة لمجموعة البنك الدولي، فإن أعداد القوى العاملة الوافدة كبيرة جدا في المنطقة حيث تتصدر قطر دول العالم من حيث عددها وتصل نسبة الوافدين 91% من إجمالي عدد السكان مقابل 88% في دولة الإمارات العربية المتحدة و72% في دولة الكويت و45% في السلطنة.

ومن المؤكد أنه في استمرار تراجع أسعار النفط عالمياً فإن ذلك سوف يحد أو يبطئ من التحويلات النقدية للدول التي تأتي منها القوى العاملة الوافدة للمنطقة. ففي العام الماضي ظلت تدفقات هذه التحويلات متواصلة من دول مجلس التعاون نتيجة لاستخدامها للاحتياطات المالية الكبيرة لديها بهدف الحفاظ على مستويات الإنفاق، وقامت بالسحب من أصولها لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط.

كما أن هذه الأزمة ربما ستؤدي لاتخاذ خطوات أخرى من قبل دول المنطقة للحد من التوظيف أو إعادة القوى العاملة الوافدة إلى دولها، خاصة وأنها بدأت في الرجوع من بعض دول المجلس خلال الآونة الأخيرة بسبب تراجع عدد المشروعات الجديدة في المنطقة، الأمر الذي سيقلل بالتالي وبشكل كبير من تدفقات التحويلات النقدية سواء إلى دول منطقة الشرق الأوسط، أو إلى دول جنوب وشرق آسيا.

كما أن هذه القضية أصبحت اليوم مثارة لدى مجالس الشورى في عدة دول خليجية التي ترى ضرورة طرح هذا الموضوع على جدول الأعمال والعمل على فرض ضريبة مالية على هذه التحويلات للحد منها من جهة، ودعم العجز الذي تعاني منه دول المنطقة بسبب تراجع الإيرادات السنوية من جهة أخرى.

ويعتقد البعض أنه في حالة استمرار هذه الأزمة أي تراجع أسعار النفط، فإن بعض الدول ربما ستقرر خفض أجورالقوى العاملة الوطنية والوافدة أو إنهاء عقود الوافدين مع العمل على توظيف المزيد من القوى العاملة الوطنية لتحقيق سياسة إحلال العنصر الوطني.

وهناك مبادرات أخرى يطرحها خبراء ومحللون اقتصاديون في هذا الشأن بأنه يتوجب على دول الخليج ضرورة إيجاد حلول عملية لاستثمار مليارات الدولارات التي يرسلها العمال الأجانب إلى بلادهم كل عام، بدلاً من التفكير بفرض رسوم أو ضرائب على تحويلاتهم المالية. ويرون أن فرض أي رسوم أو ضرائب على تلك التحويلات فإن ذلك سوف يمثل تحولاً كبيراً في السياسات الاقتصادية لدول الخليج، لكن قد يؤدي إلى زيادة التكاليف الاقتصادية وتراجع تدفق القوى العاملة الأجنبية.

ومؤخرا درس مجلس الشورى السعودي مقترحاً بفرض رسوم تدريجية على تحويلات الأجانب في السعودية بنسبة 6%، من قيمة التحويل خلال السنة الأولى من عمل المقيم، وتقل النسبة سنوياً حتى تقف عند 2%. كما سبق لمجلس الشورى في السلطنة أن تم طرح هذا الموضوع خلال إحدى جلساته، ويواصل تقديم المقترحات بهذا الشأن.

ووفقاً لأرقام البنوك المركزية الخليجية، فقد ارتفعت قيمة تحويلات القوى العاملة الأجنبية الوافدة إلى 120 مليار دولار خلال العام الماضي، وتعادل هذه الأموال 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي البالغ 1.6 تريليون دولار خلال العام نفسه، مقارنة مع تحويلات الأجانب في الولايات المتحدة البالغة 0.7% من الناتج المحلي وبريطانيا 0.8%.

ويعزى ارتفاع تحويلات الوافدين بالمنطقة لعدة أسباب من ضمنها أن الأسواق الخليجية لا تزال تعتمد بشكل كبير في تسيير أعمالها على القوى العاملة الوافدة، حيث يعيش 25 مليون وافد مع أفراد أسرهم في المنطقة، ويوازي عددهم إجمالي عدد المواطنين الخليجيين.

وهذه التحويلات في نظر المحللين الاقتصاديين من دول المجلس تشكل استنزافاً للسيولة المحلية، وضغطاً على موازين المدفوعات التي تتأثر سلباً بتراجع العوائد النفطية، الأمر الذي يتطلب من دول المجلس توفير فرص لاستثمار أموال هؤلاء الوافدين بدلا من فرض رسوم أو ضرائب على تحويلاتهم بالرغم من أن هذه الأموال تمثّل تكلفة اقتصادية كبيرة للمنطقة.

ولا شك أن برامج الاستثمار للوافدين سوف تعمل على إبقاء السيولة في المنطقة وتزيد من إعادة استثمار التحويلات أو جزء منها، من خلال السماح للوافد باستثمار مدخراته في السندات الوطنية وفي الصناديق الاستثمارية وصناديق التأمين والعقارات وفي الأسواق المالية وغيرها من القنوات المالية الأخرى، مع ضرورة إصلاح الأمور المتعلقة بإقامة هؤلاء الوافدين في المنطقة.

وقد سبق لبعض جمعيات المحللين الماليين المعتمدين بدول المجلس في تقديم عدة مقترحات لتخفيض معدلات نمو التحويلات المالية من دول مجلس التعاون الخليجي وتدفقها إلى الخارج، تمثلت في استحداث الوظائف لأبناء دول المجلس لتخفيض البطالة، وتحفيز الاستثمارات المحلية لمواطني دول المجلس، وفتح أسواق دول التعاون أمام المستثمرين الأجانب بما فيهم القوى العاملة الوافدة، وتحسين البنى الأساسية والإلكترونية.

فحتى اليوم هناك قيود على الأجانب بامتلاك أوالاستثمار في معظم الأنشطة، الأمر الذي يحد من الفرص الاستثمارية المتاحة لهم، بالرغم من أن بعض الأسواق الخليجية قد انفتحت على المستثمرين الأجانب.

ونتيجة لعدم وجود أي ضريبة دخل على الرواتب التي يتقاضاها الوافدون في دول المجلس، فإن ذلك يشكل حافزاً كبيراً لهم بالاستثمار في المنطقة، حيث إن غياب ضرائب الدخل يشجع بشكل كبير على تحويل الأموال إلى خارج دول مجلس التعاون الخليجي وهذا ما يجب دراسته أيضا ضمن المقترحات لتعزيز الموارد المالية للحكومات.

وكما هو معروف فإن التحويلات النقدية ساعدت الكثير من الدول النامية في الحفاظ على استقرار حسابها الجاري وميزان مدفوعاتها بالإضافة إلى ضمان توفر احتياطات العملة الأجنبية لديها، وتحسين الجدارة الائتمانية في الاقتراض الخارجي ودعم الطلب الكلي، بجانب توسيع قاعدة الودائع ودعم سيولة القطاع المصرفي. وقد استفادت من ذلك الكثير من الدول العربية والآسيوية التي تقوم بتصدير القوى العاملة لديها إلى المنطقة خلال العقود الأربعة الماضية.

وفي هذا الصدد فقد تقدم اتحاد المصارف العربية مؤخرا بدراسة في هذا الخصوص أوصت بتعزيز دخول التحويلات النقدية للقوى العاملة الوافدة في المنظومة المصرفية الرسمية، لتشكل رافعة للشمول المالي في الدول، وخاصة للفئات منخفضة الدخل، والمناطق الريفية، وكذلك تخفيض تكلفة تحويل الأموال عبر المصارف التي تعمل في الدول العربية، وشركات التحويل وشركات الخدمات المالية بهدف تعزيز استخدام قنوات تحويل الأموال الرسمية، مع العمل على وضع وتطوير تشريعات تدعم من ترويج فرص استثمارية للمغتربين.

نقلا عن جريدة عُمان